عدالة الصحابة
سؤال: ما هي نظرية عدالة الصحابة، وهل جميع الصحابة كانوا عدولاً دون استثناء؟
تدل نظرية عدالة الصحابة على أن جميع صحابة النبي محمد (ص) كانوا عادلين، ويستدل مؤيدو هذه النظرية بآيات من القرآن مثل كون الصحابة مصداق لخير أمة أُخرجت للناس، ورضا الله عنهم، ورفع العذاب عنهم، كما يستشهدون ببعض الروايات التي تمدح الصحابة والتي نقلت في كتب أهل السنة، أما المعارضون لنظرية عدالة الصحابة، فيؤكدون على عدالة بعض الصحابة المخلصين للنبي (ص)دون الصاحبة الذين ارتكبوا أعمالًا تتعارض مع العدالة كالتي ذكرت في القرآن مثل ارتكاب الذنوب، والنفاق، والذين اتهموا النبي (ص) أو الذين كانت قلوبهم مريضة، وتؤكد على ذلك بعض الروايات التي نقلت في كتب أهل السنة من أن بعض الصحابة عُوقبوا بالحدود أو أنهم من أهل النار.
تعريف الصحابة
عرّف الصحابة في مصطلحات علماء أهل السنة بتعاريف مختلفة، ومن أبرزها:
- يقول أحمد بن حنبل: كل من صحب النبي (ص) لسنة أو شهر أو يوم أو حتى لحظة؛ فهو من أصحاب النبي (ص).[١]
- يقول البخاري: كل مسلم صاحب النبي (ص) أو رآه، فهو من أصحابه.[٢]
- ذكر سعيد بن المسيب أن الصحابي هو من صاحب النبي (ص) لمدة سنة أو سنتين وشارك في غزوة أو غزوتين.[٣]
الخلاف في عدالة الصحابة
هناك قولان رئيسيان حول عدالة الصحابة؛ الأول قول أهل السنة حيث يعتقدون أن جميع الصحابة كانوا صالحين، صادقين، أتقياء، وعادلين، لذلك إذا نقل أي منهم حديثًا عن النبي (ص)، فهو صحيح ومقبول، ولا يجوز انتقاد أحد منهم وإذا صدرت منهم أي أعمال مخالف للعدالة؛ يجب تأويله أو التغاضي عنه. يعتبر أهل السنة أن كون الشخص صحابيًا ليس مجرد امتياز أو فضيلة فحسب، بل هو أيضًا ضمانة لعدالته، وفي كلمات علماء أهل السنة، نجد مبالغة في مدح الصحابة وذم منتقديهم. ومن أمثلة ذلك:
- انتقاد الصحابة يُعتبر كفرًا وارتداد: إن من ينتقد أحد صحابة رسول الله (ص) يُعتبر زنديقًا وكافرًا.[٤]
- طرد منتقدي الصحابة: يجب طرد كل من ينتقد صحابة النبي، ولا يأكل أو يشرب معه، ولا يصلى على جنازته.[٥]
وبناءً على هذا الرأي، فإن جميع الصحابة عادلون، وأقوالهم صحيحة، وأفعالهم سليمة حتى لو تعارضت مع الكتاب والسنة، لأنهم جميعاً كانوا مجتهدين وكانوا أعلم بالسنة.
موقف الشيعة الإمامية: يعتقد الشيعة الإمامية أن هناك العديد من الصحابة الذين كانوا ذوي شخصية فذة، فدائيين، أطهارًا، وأتقياء، وأيضاً هناك منهم من كان منافقاً وفاسداً وقد تبرأ منه القرآن والنبي (ص)، فباعتقاد الشيعة مجرد كون الشخص صحابيًا لا يجعله معصومًا، ولا يجب غض الطرف عن أي أعمال تتعارض مع العدالة.
أدلة المؤيدين
يستدل أهل السنة لإثبات عدالة الصحابة ببعض الآيات القرآنية والروايات.
الآيات
تنقسم الآيات القرآنية التي تمدح الصحابة وأمة النبي (ص) إلى عدة مجموعات:
- بعض الآيات التي تمتدح أمة النبي (ص): مثل الآية﴿کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾(آل عمران:۱۱۰) والآية ﴿وَکَذٰلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَکُونُوا شُهَدَاءَ عَلَی النَّاسِ﴾(بقره:۱۴۳)وبناءً على بعض تفاسير أهل السنة، فإن "الأمة الوسط" تعني عدالة الصحابة.
- آيات تنفي العذاب عن صحابة النبي (ص): مثل قوله تعالى ﴿یَوْمَ لَا یُخْزِی اللَّهُ النَّبِیَّ وَالَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ﴾(تحریم:۸)
- آيات تثبت رضا الله عن الصحابة: مثل الآية ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِینَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِی اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ والآية ﴿لَّقَدْ رَضِیَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبَایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾(فتح:۱۸)
الروايات
يستدل أهل السنة على عدالة الصحابة ببعض الروايات التي نقلت عن النبي (ص) في ذكر فضلهم، ومنها:
- رواية عن النبي (ص): "خير الناس قرني..." وتعني: خير الناس هم أهل قرني (أي الصحابة)"[٦]
- رواية أخرى عن النبي (ص): "لا تسبوا أصحابي، فَوالذي نَفْسِي بيَدِهِ لو أنَّ أحدكم أنفق مثل أُحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"[٧]
- رواية ثالثة: "إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا: لعنة الله على شركم"[٨]
أدلة المخالفين
يقدم المعارضون لعدالة الصحابة دليلًا رئيسيًا لرفض عدالة جميع الصحابة، وهو أنه في الآيات والروايات التي استدل بها أهل السنة على عدالة الصحابة لم يُذكر فيها صراحة أن جميع الصحابة عادلون، وبالتالي بناءً على قرائن أخرى مثل الآيات والروايات التي نقلت في كتب أهل السنة أنفسهم، فإن بعض الصحابة ارتكبوا أعمالًا مثل الذنوب والنفاق والتهم وغيرها من الأمور التي تتعارض مع العدالة.
في القرآن
أولئك الذين يقولون إن جميع الصحابة بلا استثناء كانوا عادلين، لم يأخذوا في الاعتبار الآيات التي تنتقد أفعال بعض الصحابة، والتي منها:
- ﴿إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْکُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطَانُ بِبَعْضِ مَا کَسَبُوا ۖ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾(آل عمران:۱۵۵) ففي اليوم الذي التقى فيه الجمعان في أحد؛ فرّ عدد كبير من أصحاب النبي (ص)، وقد ذكر الله أن فرارهم كان بسبب غلبة الشيطان عليهم وقد عفا الله عنهم، إلا أن هذا العفو كان بعد ذنب ارتكبوه.
- ﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَیٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِینَ﴾(حجرات:۶) وهذه الآية تتحدث عن فسق بعض الصحابة، وقد ذكر المفسرون أنها تشير إلى الوليد بن عقبة الذي وصف بالفسق.
- ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ یَلْمِزُکَ فِی الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ یُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ یَسْخَطُونَ﴾(توبه:58) تتحدث هذه الآية عن بعض الصحابة الذين كانوا يعترضون على النبي (ص) في توزيع الصدقات، ويغضبون إذا لم يحصلوا على نصيبهم.
- ﴿وَإِذْ یَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾(احزاب:۱۲)تشير هذه الآية إلى المنافقين وضعاف الإيمان الذين اتهموا النبي (ص) بالخداع.
- ﴿وَ مَا کَانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَغُلَّ ۚ وَمَنْ یَغْلُلْ یَأْتِ بِمَا غَلَّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ﴾(آل عمران:۱۶۱) ففي هذه الآية يدافع الله عن النبي (ص) ضد اتهامات الخيانة التي وجهها له بعض الصحابة.
ويمكن تقسيم صحابة النبي (ص) إلى خمس فئات بناءً على آيات القرآن المتقدمة: (الذين رضي الله عنهم،[٩] المؤمنون المذنبون الذين ارتكبوا ذنوبًا مع أعمالهم الصالحة،[١٠] الفاسقون،[١١] المسلمون ظاهريًا الذين لم يدخل الإيمان قلوبهم،[١٢] المنافقون[١٣]) وجميع هذه الفئات الخمسة تعتبر من الصحابة ووفقًا لرأي أهل السنة.
إقامة الحدود على الصحابة
إن القول بعدالة جميع الصحابة يتناقض مع إقامة الحدود على بعضهم في عهد النبي (ص) أو بعده، وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:
- نعيمان الصحابي: شرب الخمر، فأمر النبي (ص) بضربه بالنعال والعصي.[١٤]
- رجل من بني أسلم: زنى محصنًا، فأمر النبي (ص) برجمه.[١٥]
- حادثة الإفك: أمر النبي (ص) بجلد عدة أشخاص بحد القذف.[١٦]
- عبد الرحمن بن عمر وعقبة بن الحارث: بعد وفاة النبي تم جلدهم بحد شرب الخمر، ثم استدعى الخليفة عمر بن الخطاب ابنه وأعاد إقامة الحد عليه مرة أخرى.[١٧]
- الوليد بن عقبة: حيث شرب الخمر وصلى الصبح أربع ركعات وهو سكران، فتم استدعاؤه إلى المدينة وأقيم عليه حد شرب الخمر.[١٨]
في روايات أهل السنة
تنقل بعض الكتب المعتبرة لأهل السنة روايات عن رسول الله (ص) تتعارض مع القول بعدالة جميع الصحابة، وفيما يلي بعض الأمثلة:
- قال النبي (ص): "يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَقْوَامٌ مِنْ أَصْحَابِي فَيُرِيدُونَ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، هَؤُلَاءِ أَصْحَابِي! فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ"[١٩]
- في رواية أخرى عن النبي (ص): "يُعَذَّبُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، هَؤُلَاءِ أَصْحَابِي! فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ بَعْدَكَ".[٢٠]
- عن أم سلمة: سمعت رسول الله (ص) يقول: "إِنَّ مِنْ أَصْحَابِي مَنْ لَا يَرَانِي بَعْدَ أَنْ يَمُوتَ أَبَدًا".[٢١]
المصادر
- ↑ أبو علي الفراء الحنبلي، العدة في أصول الفقه، ج۳، ص۹۸۸ نقلاً عن "شيعة شناسي" أجوبة على شبهات أصغر رضواني، ج۱، ص۳۱۹.
- ↑ ابن حجر العسقلاني شهاب الدين، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج۷، ص۳، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثانية.
- ↑ ابن حجر العسقلاني شهاب الدين، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج۷، ص۳، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثانية.
- ↑ يعقوب، أحمد حسين، تحقيق في عدالة الصحابة، نشر دار الثقلين، الطبعة الأولى، 1376ش، ص۳۴، نقلاً عن الإصابة، ابن حجر العسقلاني، ص۱۷ و ۱۸.
- ↑ يعقوب، أحمد حسين، تحقيق في عدالة الصحابة، نشر دار الثقلين، الطبعة الأولى، 1376ش، ص۳۴، نقلاً عن الكبائر، الذهبي، ص۱۷ و ۱۸.
- ↑ البخاري، محمد، صحيح البخاري، بيروت، دار الفكر، ۱۴۰۱هـ، ج۳، ص۱۵۱.
- ↑ صحيح البخاري، ج۴، ص۱۵۹.
- ↑ الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمزي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1403هـ، ج5، ص 359.
- ↑ سورة التوبة/۱۰۰
- ↑ سورة التوبة/۱۰۲
- ↑ سورة الحجرات/6
- ↑ سورة الحجرات/14
- ↑ سورة التوبة/101
- ↑ البخاري، محمد بن اسماعيل، صحيح البخاري، ج۸، ص۱۳، ح ۶۷۷۷۵، كتاب الحد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ۱۴۰۱هـ
- ↑ البخاري، محمد بن اسماعيل، صحيح البخاري، ج۸، ص۲۲، ح ۶۷۷۷۵، كتاب الحد، دار الفكر للطباعه والنشر والتوزيع، ۱۴۰۱هـ
- ↑ الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، ج۲۳، ص۱۲۸، دار إحياء التراث، بيروت.
- ↑ البيهقي، احمد بن حسين، السنن الكبرى، ج۸، ص۳۱۳، دار الفكر، بيروت.
- ↑ النيشابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، ج۵، ص۱۲۶، ح۱۷۰۷، دار الفكر، بيروت.
- ↑ البخاري، محمد بن اسماعيل، صحيح البخاري، ج۷، ص۲۰۸ كتاب الرقاق، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ۱۴۰۱هـ.
- ↑ البخاري، محمد بن اسماعيل، صحيح البخاري، ج۷، ص۲۰۸ كتاب الرقاق، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ۱۴۰۱هـ.
- ↑ أبوريه المصري، محمود، أضواء علی السنّة المحمدية، ص۳۴۵، نشر البطحاء، الطبعة الخامسة.