زيارة القبور من وجهة نظر الوهابية

From ويكي باسخ
  1. تغییر_مسیر الگو:پاسخ
سؤال

ما هو موقف الوهابية من زيارة القبور؟

لمؤسسي الوهابية آراء متضاربة حول زيارة القبور. فهم من جهة يعتبرون زيارة القبور جائزة، ولكنهم في الواقع يمنعونها. كما أنهم يعتبرون السفر لزيارة القبور حراماً وسبباً للشرك، ويستندون على ذلك بحديث منسوب للنبي محمد (ص).

حكم زيارة القبور

يقول ابن تيمية إنه لا مانع من زيارة القبور أو الزيارة الشرعية لمن يتقرب بها.[١] ويقول محمد بن عبد الوهاب إن من يسافر إلى المدينة يجب أن يكون قاصداً في سفره المسجد النبوي، وبعد الوصول إلى المسجد يمكن للرجال زيارة قبر الرسول، أما النساء فلا يحق لهن الزيارة.[٢] ويقول الوهابيون إن أصل الزيارة للرجل جائز بلا خلاف، ولكنها بحسب الروايات مكروهة للنساء.[٣] ومع ذلك، فهم يعتقدون أن لمس القبر ومسحه والصلاة بجانبه والنذر له، كلها ليست من دين المسلمين، بل هي بدعة قبيحة وتعد من أسباب الشرك.[٤]

سلوك الوهابية العملي تجاه زيارة القبور

على الرغم من أن الوهابيين يقولون بجواز زيارة القبور بالاستناد على الروايات، إلا أنهم في الواقع يمنعون زيارة القبور. حيث قام محمد بن عبد الوهاب في بداية حركته بقتل المسلمين بحجة أنهم يزورون قبور الأولياء والأنبياء (ع)، وشن ما أسماه بالغزوات ضد المسلمين، متهماً إياهم بعبادة القبور، معلناً حلّية دمائهم وأموالهم وأعراضهم.[٥] ولقد أدى هذا السلوك إلى كراهية محمد بن عبد الوهاب وعرضه للمساءلة، ولكنه ادعى دفاعاً عن نفسه أن هذه اتهامات وُجهت إليه. وقال في دفاعه عن نفسه: إن ما يُقال من أنني كفّرت المتوسلين بالصالحين، وأنني لو كنت قادراً لهدمت قبة الرسول (ص)، ولأزلت ميزاب الكعبة ووضعت مكانه ميزاباً خشبياً، وأنني حرّمت زيارة قبر النبي (ص) وزيارة قبور الوالدين، كل ذلك اتهامات قيلت ضدي؛ ولكنها لا صحة لها.[٦]

== تحريم السفر للزيارة ==

يتضح موقف الوهابيين في رفضهم لأصل الزيارة من خلال عقيدتهم في السفر للزيارة؛ إذ أنهم يعتبرون السفر للزيارة حراماً وبدعة وشركاً دون أي دليل مقنع. وقد ادعى الوهابيون إجماع المسلمين على حرمة السفر للزيارة. ويقولون إن كلام العلماء يظهر منه بشكل واضح أنه لا ينبغي لأحد أن يسافر لزيارة أي قبر من القبور.[٧]

ويستدل الوهابيون على تحريم السفر للزيارة بحديث:

«لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثِ مَسَاجِدَ: إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى».[٨]

ويقولون إنه لا خلاف بين أئمة المذاهب في هذا الحكم. كما أن الصحابة قد فهموا المنع من السفر من حديث "لا تُشد الرحال". وقد ادعى الوهابيون أن جمهور العلماء لا يجيزون السفر لغير المساجد الثلاثة، واعتبروا بعض المتأخرين مثل السبكي وأبي حامد الغزالي وأبي محمد المقدسي وغيرهم - الذين أجازوا ذلك واعتبروه قربة إلى الله - من أهل البدع، واعتبروا حكمهم هذا مخالفاً للأحاديث والإجماع.[٩]

إذا كانت زيارة القبور جائزة، فلا يمكن لأي دليل أن يمنع السفر للزيارة ويحوله إلى بدعة وحرام؛ وعليه، إذا لم تكن الزيارة بنفسها بدعة وحراماً ولم يكن فيها أي محذور شرعي من وجهة نظر ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، فإن السفر الذي ليس فيه شائبة الحرمة أو البدعة، فلا يوجد أي دليل على أن يتحول بقصد الزيارة إلى عمل حرام وأمر غير مشروع. فيتضح إذن أنهم يرون في الزيارة نفسها إشكالاً، ولذلك يعتبرون السفر إليها حراماً وبدعة. علاوة على ذلك، إذا كانت الزيارة بدون سفر جائزة من وجهة نظر الوهابية، فإن الزيارة بدون سفر لا يمكن تصورها إلا لمن يسكن في مدينة الزيارة؛ أما بحسب منطق الوهابية، فلا يحق لأحد من المدن الأخرى الزيارة، إلا إذا سافر إلى تلك المدينة بقصد آخر مثل التجارة والسياحة والمقاصد الدنيوية الأخرى، وفي أثناء أداء الأعمال الدنيوية إذا أراد زيارة قبور الأولياء تصبح جائزة له.

كيف يمكن قبول هذا القول بأن قصد السفر للزيارة - التي هي مشروعة في حد ذاتها - حرام وبدعة، بينما الأمور الدنيوية يمكن أن تجعل السفر جائزاً؟ بل أكثر من ذلك، إذا كان شخص ما يسكن في مدينة الزيارة، فحسب هذه القاعدة التي وضعها الوهابية، لا ينبغي له أن يخرج من منزله بقصد الزيارة، لأن مجرد هذا القصد وقطع مسافة قصيرة للزيارة ينبغي أن يكون حراماً وغير مشروع؛ وعليه، وبناءً على هذا المبدأ الذي أقره الوهابيين، لا يحق لأهل المدينة الخروج بقصد زيارة قبر النبي (ص)؛ إلا إذا مروا صدفة بجوار القبر الشريف وزاروه.

غموض الزيارة في المذهب الوهابي

إن حقيقة الزيارة وفق المنهج الوهابي غامضة جداً، وفي الواقع، إن الزيارة التي اعتبروها جائزة ليست زيارة أصلاً؛ لأنهم قالوا إن أصل الزيارة جائز، لكن لمس القبر والدعاء والتبرك وما شابه ذلك عند القبر بدعة وشرك. فالزيارة التي يعتبرونها جائزة لا يمكن تحقيقها. حتى أنهم لا يجيزون الوقوف مستقبلاً للقبر.

ولإثبات هذا الادعاء، يقولون إن أنس بن مالك بعد أن سلم على النبي (ص) اتكأ على جدار القبر من الخلف ثم دعا.[١٠] وقد استخدموا هذا الأمر بشكل غير موفق للاستدلال على حرمة السفر إلى القبر، حيث قالوا إنه لو كان السفر إلى القبر جائزاً، لما كان ينبغي لأنس بن مالك أن يدعو وظهره إلى القبر.[١١] في حين أن الوقوف مستدبراً للقبر لا علاقة له بالسفر؛ وعليه فإن الشيء الوحيد الذي قد يكون جائزاً من وجهة نظر الوهابية هو السلام على صاحب القبر فقط؛ علماً أن هذا الأمر أيضاً لم يصرح الوهابيون بجوازه بشكل واضح حتى الآن.

المصادر

  1. ابن تيمية الحراني، أحمد عبد الحليم، كتب ورسائل وفتاوی ابن تيمية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي، بی‌جا، الطبعة الثانية، بی‌تا، مكتبة ابن تيمية، ج 26، ص 150.
  2. بن باز، عبد العزيز، محمد بن صالح العثيمين، فتاوى مهمة، الرياض، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1413 هـ، محقق: إبراهيم الفارس، ص 104.
  3. محمد بن عبد الوهاب، مختصر الإنصاف والشرح الكبير، الرياض، مطابع الرياض، الطبعة الأولى، تحقيق: عبد العزيز بن زيد الرومي، د. محمد بلتاجي، د. سيد حجاب، ص 223.
  4. محمد بن عبد الوهاب، فتاوى ومسائل محمد بن عبد الوهاب، المملكة العربية السعودية، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود، [بی‌تا]، محقق: صالح بن عبد الرحمن، ص 69. صالح بن عبد الله العبود، عقيدة محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي، المملكة العربية السعودية، المدينة المنورة، عمادة البحث العلمي بجامعة الإسلامية، الطبعة الثانية، 1424 هـ / 2004 م، ج 2، ص 723. محمد بن عبد الوهاب، الفتاوى، الرياض، مطابع الرياض، الطبعة الأولى، تحقيق: صالح بن عبد الرحمن الأطرم ومحمد بن عبد الرزاق الدويش، ص 60.
  5. النجدي، حسين بن غنام، تاريخ نجد أو روضة الأفكار والأفهام، بيروت، دار الشروق، الطبعة الرابعة، 1415 هـ / 1994 م، تحرير وتحقيق: ناصر الدين أسد، ص 95–203. النجدي الحنبلي، عثمان بن عبد الله بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، الرياض، مطبوعات دارة الملك عبد العزيز، الطبعة الرابعة، 1402 هـ / 1982 م، ج 1، ص 45–180.
  6. محمد بن عبد الوهاب، مؤلفات محمد بن عبد الوهاب في العقيدة، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود، ص 12 و 64.
  7. ابن تيمية الحراني، أبو العباس أحمد عبد الحليم، كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية، بی‌تا، بی‌جا، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي، ج 26، ص 150.
  8. أحمد بن حنبل، مسند أحمد، بيروت، دار صادر، بی‌تا، ج 2، ص 278.
  9. سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، شرح كتاب التوحيد، الرياض، مكتبة الرياض الحديثة، بی‌تا، ص 312.
  10. سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، تيسير العزيز الحميد، بيروت، الطبعة الأولى، 1999 م، محقق: محمد أيمن الشبراوي، ص 293.
  11. سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، تيسير العزيز الحميد، بيروت، الطبعة الأولى، 1999 م، محقق: محمد أيمن الشبراوي، ص 293.