تكفيرية الفرقة الوهابية

    سؤال

    هل تعتبر الوهابيّة فرقة تكفيريّة؟ ما هو الدليل على كونهم تكفيريين؟

    على الرغم من أن الوهابية أنفسهم ينكرون تكفيرية الوهابية، وقدّموا ملاحظات للدفاع عن أنفسهم، إلا أنّ جميعها مشوبة بالأخطاء ولا تتوافق مع آراء وممارسات الوهابيين. فبناءً على أقوال زعماء هذه الفرقة وممارسات أتباعها، يثبت أن فرقة الوهابية هي سلفية تكفيرية، والسلفية التكفيرية تُطلق على تلك الفئة من السلفيين الذين يكفرون مخالفيهم. ويمكن اعتبار الخوارج في صدر الإسلام من هذا النوع من التكفيريين، وفي العصر الحالي تُعتبر الوهابية نموذجًا للسلفية التكفيرية. [١]

    الرأي العام للوهابيين حول اتهام الوهابية بالتكفير

    ينفي الوهابيون الاتهامات الموجهة إليهم بأنهم يكفرون كل من ليس وهابياً، ويشبهونهم بالخوارج، ويدافعون عن أنفسهم بالقول إن هذه الادعاءات غير صحيحة، مؤكدين أنهم مسلمون حنابلة متمسكون بالعقيدة الإسلامية كما وردت في القرآن والسنة، ويوضحون أن هذه الفرقة نشأت في بيئة تشبه -من حيث المعتقدات والتقاليد- بيئة الوثنية في عصر الجاهلية، لذلك قام علماء مكة ونجد، باتباع محمد بن عبد الوهاب، باعتبار كل من نطق بالشهادتين مسلماً لا يجوز تكفيره، لكن محمد بن عبد الوهاب رأى أن معاصريه اكتفوا بقول "لا إله إلا الله" دون الالتزام ببقية تعاليم الدين، فاعتبرهم كفاراً من وجهة نظره.[٢]

    دفاع محمد بن عبد الوهاب عن نفسه

    كتب محمد بن عبد الوهاب في رسالته إلى الشيخ عبد الرحمن السويدي، أحد علماء بغداد، قائلاً:

    نقد دفاع الوهابية

    هذه الأمور التي طرحها الوهابيون لتبرئة فرقتهم ومؤسسها هي هروب من الواقع، لأن أعداء الوهابية منذ تأسيسها وحتى اليوم ليسوا سوى مسلمين تم تكفيرهم من قبل هذه الفرقة، وهذا بذاته اعتراف بأن الوهابية ومؤسسها قد كفّروا ويكفّرون المسلمين، فوجود هؤلاء الأعداء - وهم مسلمون غير وهابيين - وعداوتهم للوهابية ناتجة عن تكفير محمد بن عبد الوهاب وهذه الفرقة لهم.

    أما قولهم إن النطق بالشهادتين كافٍ عندهم لاعتبار الشخص مسلماً، فهذا القول أيضاً لا يتطابق مع عقائد الوهابيين وأعمالهم، لأن جميع الذين يؤمنون بالشفاعة والتوسل والتبرك وزيارة قبور الأنبياء والأولياء، ينطقون بالشهادتين بإتقان وإخلاص أكثر من الوهابيين أنفسهم، ويؤمنون بها من أعماق قلوبهم، ومع ذلك يعتبرهم الوهابيون مشركين وكفاراً، وكانت حركة محمد بن عبد الوهاب مبنية على هذا الأساس.

    أما ما كتبه محمد بن عبد الوهاب في رسالته فهو تبرير بلا أساس ومنافٍ للعقل. لأن الشخص الذي يعادي الإسلام ويشتمه ويمنع الناس من الإقبال عليه، لا يحتاج إلى تكفير، إذ أن كفره واضح لا يخفى على أحد. فالكفر هو ما نص عليه القرآن وسنة رسول الله (ص). بل إن إنكار أي من ضروريات الدين يعد كفراً، ولا يحتاج ذلك إلى تأسيس نهضة أو حركة أو فرقة وإثارة كل هذه الضجة. ولكن الحقيقة تخالف ما قاله محمد بن عبد الوهاب. فالتاريخ الحافل للوهابية وعقائد محمد بن عبد الوهاب نفسه، يدحض ما جاء في تلك الرسالة."

    كلام الشيخ عبد اللطيف دفاعاً عن جده

    يقول الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن، أحد أحفاد محمد بن عبد الوهاب، في محاولة لنفي صفة التكفير عن الوهابية: وأما قوله فسعى لتكفير الأمة خاصها وعامها، فهذه العبارة تدل على تهور في الكذب ووقاحة تامة.. وهل يتصور هذا عاقل عرف حال الشيخ وما جاء به ودعا إليه؟ بل أهل البدع كالقدرية، والجهمية، والرافضة، والخوارج يكفّرون جميع من خالفهم، والشيخ لا يعرف له قول انفرد به عن سائر الأمة بل ولا عن أهل السنة والجماعة منهم، وجميع أقواله في هذا الباب أعني ما دعا إليه من توحيد الأسماء والصفات وتوحيد العمل والعبادات، مجمع عليه عند المسلمين".[٤]

    وفي دفاعه عن اتهام محمد بن عبد الوهاب بتكفير جميع بلاد المسلمين، يقول الشيخ عبد اللطيف: "وأما قوله وجعل بلاد المسلمين كفّاراً أصليين، فهذا كذب وبهت ما صدر ولا قيل، ولا أعرفه من أحد من المسلمين، فضلاً عن أهل العلم والدين بل كلهم مجمعون على أن بلاد المسلمين لها حكم الإسلام في كل زمان ومكان، وإنما تكلم عن الناس في بلاد المشركين الذين يعبدون الأنبياء والملائكة والصالحين، ويجعلونهم أنداد الله رب العالمين، أو يسندون إليهم التصرف والتذكير كغلاة القبوريين، فهؤلاء تكلم الناس في كفرهم وشركهم وضلالهم، والمعروف والمتفق عليه عند أهل العلم أن من فعل ذلك ممن يأتي الشهادتين يحكم عليه بعد بلوغ الحجة بالكفر والردة، ولم يجعلوه كافراً أصلياً"[٥]

    نقد كلام الشيخ عبد اللطيف

    بهذه التبريرات والتأويلات لا يُنقَضُ وسم التكفير عن جبين الوهابية فحسب، بل يُؤكَّد ويُثبَّت. والسبب في ذلك، أولاً: إن دعوة محمد بن عبد الوهاب انطلقت من منطقة كان أهلها جميعاً مسلمين، يقيمون الصلاة، ويصومون، ويحجون، ويتبعون أحد المذاهب الأربعة لأهل السنة، مقرّين بجميع تعاليم الإسلام ملتزمين بها، ولم يكن هناك جهمية ولا قدرية ولا أتباع فرق منحرفة أخرى، بل كان الجميع من أهل السنة، ومع ذلك كفّرهم محمد بن عبدالوهاب ودعاهم إلى مذهبه، ثانياً: إن حروب الوهابيين -أو ما يسمونه بالغزوات- كانت جميعها ضد أهل السنة والجماعة، ففي نطاق هذه الغزوات لم يكن هناك وجود للجهمية ولا القدرية ولا الخوارج ولا حتى الرافضة.

    أما القول بأن توحيد أسماء الله وصفاته وتوحيد العبادة محل إجماع المسلمين، فلا شك في ذلك، لكن الوهابيين اتخذوا هذا الشعار ذريعة لقتل المسلمين بسبب إيمانهم بالشفاعة والتوسل والتبرك وزيارة القبور، وهذا كله مسجل في كتب التأريخ مثل "عنوان المجد في تاريخ نجد" وغيره من المصادر التاريخية التي كتبها الوهابيون أنفسهم، ولا يمكن إنكاره، بل إن الشيخ عبد اللطيف نفسه -عن قصد أو غير قصد- قد أقر بهذه الحقيقة في دفاعه، مما أبطَلَ حجته، فهو حين دافع عن اتهام محمد بن عبد الوهاب بتكفير مدن المسلمين، صرّح بأن ابن عبد الوهاب كفّر المدن التي يسكنها المشركون، وهم -حسب زعمه- الذين يعبدون الأنبياء والصالحين والملائكة، ويطلبون منهم الحوائج، ويجعلونهم شفعاء بين الله والناس، والواضح أن مقصود هذا الشيخ الوهابي ليس النصارى ولا اليهود ولا عبدة الأصنام، بل المسلمين غير الوهابيين الذين يؤمنون بهذه الأمور، لكن الوهابيين يفسرون هذه المعتقدات حسب أهوائهم على أنها عبادة، بينما لا يُعتبر أي مسلم -بتعظيمه الأنبياء وطلب الحوائج منهم- عابداً لهم، فبحسب الرؤية الوهابية، جميع المسلمين -بسبب ممارساتهم الدينية- يصنفون كمشركين، وبالتالي يكون دمهم مباحاً، وهذا هو السبب في أن جميع حروب الوهابية كانت ضد المسلمين،[٦] وما زالت حروبهم ضد المسلمين مستمرة حتى اليوم عبر جماعات مختلفة.


    المصادر

    رده:وهابیترده:اسلام

    1. ضاهر، محمد كامل، الدعوة الوهابية، وأثرها في الفكر الإسلامي الحديث، ص۱۶۶و ۱۶۷، بيروت، دار السلام للطباعة والنشر، چ۱، ۱۴۱۴هـ/۱۹۹۳م.
    2. ضاهر، محمد كامل، الدعوة الوهابية، وأثرها في الفكر الإسلامي الحديث، ص۱۶۶و ۱۶۷، بيروت، دار السلام للطباعة والنشر، چ۱، ۱۴۱۴هـ/۱۹۹۳م.
    3. ضاهر، محمد كامل، الدعوة الوهابية، وأثرها في الفكر الإسلامي الحديث، ص۱۶۷، بيروت، دار السلام للطباعة والنشر، چ۱، ۱۴۱۴هـ/۱۹۹۳م.
    4. الدعوة الوهابية وأثرها في الفكر الإسلامي ‌الحديث، ص۱۶۷ -۱۶۸.
    5. الدعوة الوهابية وأثرها في الفكر الإسلامي الحديث، ص۱۶۸.
    6. علي زادة الموسوي، السيد مهدي، السلفية والوهابية، ج۱ص۹۴-۹۵. قم، دفتر التبليغات الحوزة علمية في قم، المعاونة الثقافية والتبليغية، الطبعة الأولى، ۱۳۹۱ش.