أهل السنة من وجهة نظر الوهابية

سؤال

ما هو موقف الوهابية من أهل السنة؟

الفرقة الوهابية تُضيّق مفهوم أهل السنة وتحصره في أتباعها فقط. هذه الفرقة تكفّر المسلمين بمن فيهم أهل السنة أنفسهم، وتستبيح قتلهم. من وجهة نظر الوهابية، يعتبر التقليد للمذاهب الأربعة بدعة، كما أنهم يرفضون المدارس الكلامية لأهل السنة. وفي تناقض واضح، بينما يرفض الوهابيون اتّباع المذاهب الأربعة والمدارس الكلامية ويعتبرونها بدعة وغير مشروعة، فإنّهم يتبنّون منهج السلف ويتبعونه.

موقف محمد بن عبد الوهاب تجاه أهل السنة

عندما بدأ محمد بن عبد الوهاب، مؤسس الفرقة الوهابية، في نشر مذهبه ودعوة الناس إليه، مسك كتابًا صغيرًا في يده وقال: "أُشهد الله أنني أتبع هذا الكتاب وكل ما فيه حق". عندها سأله علي بن ربيعة، وهو من قبيلة تميم ومن أهل السنة: "ماذا نفعل بمن لا يقبل هذا الكتاب؟" فأجاب: "نحل الأمر بالسيف". فسأله علي بن ربيعة: "كيف يستحق القتل من لا يقبل هذا الكتاب؟" فرد محمد بن عبد الوهاب: "لأنهم مشركون وكفار". وبعد تفرق الجمع، عاد محمد بن عبد الوهاب إلى بيته، فجاءه ابن عمه عبد الله بن حسين وسأله: "هل صحيح أنك تخرج بهذا المذهب؟" فأجاب: "نعم". فقال له ابن عمه: "والله إن دعوت شخصاً واحداً من بني سنان إلى هذا المذهب لأقطعن رأسك من جسدك". وفي نفس اليوم، نشب قتال بينه وبين ابن عمه وقُتل عدد من الناس.[١]

تكفير محمد بن عبد الوهاب للمسلمين من أهل السنة

بعد أن خرج محمد بن عبد الوهاب عملياً ضد المسلمين، قال: "إن شرك المسلمين أشد من شرك مشركي الجاهلية". وقد بالغ الوهابيون في تكفير المسلمين وأهل السنة، بل وصل الأمر بهم إلى حد اعتبار كل العبادات التي قام بها هؤلاء قبل انضمامهم إلى المنهج الوهابي باطلة وغير مقبولة.[٢] يقول زيني دحلان: كان محمد بن عبد الوهاب يجبر أتباعه الذين أدوا فريضة الحج قبل اعتناقهم مذهبه على إعادة الحج، قائلاً لهم إن حجهم الأول كان في حالة الشرك وهو باطل. كما كان يطلب من الذين يعتنقون مذهبه أن ينطقوا بشهادة ثالثة بعد الشهادتين، يقرون فيها بأنهم كانوا كفاراً فيما سبق وأن آباءهم وأمهاتهم ماتوا على الكفر. ومن لم ينطق بهذه الشهادة كان يأمر بقتله. وكان يصرح علناً بأن المسلمين كانوا كفاراً لمدة ستمائة سنة، وكان يعتبر جميع المسلمين - باستثناء أتباعه - مشركين وكفاراً، ويستحل دماءهم وأموالهم.[٣]

استباحة قتل أهل السنة

يستبيح الوهابيون قتل أهل السنة وعلمائهم. يقول ابن عابدين، وهو من علماء المذهب الحنفي المشهورين من أهل السنة: إن الفرقة الوهابية تكفّر جميع أهل السنة، ويعتبرون أنفسهم فقط هم أهل التوحيد، وبشكل عام فهم يعتبرون كل من يخالف معتقداتهم مشركاً وكافراً، ولهذا السبب استباحوا قتل أهل السنة وعلمائهم.[٤]

نفي الوهابية للمذاهب السنية الأربعة

لا تقبل الوهابية أياً من المذاهب الفقهية السنية (الحنبلي، الشافعي، المالكي والحنفي)، كما أنّهم يرفضون المدارس الكلامية لأهل السنة المتمثلة في الأشاعرة والمعتزلة والماتريدية والصوفية. يتبع الوهابيون في أصولهم العقائدية محمد بن عبد الوهاب الذي أحيا أفكار ابن تيمية، حيث كان يعتقد بوجوب العمل والاعتقاد بما يُفهم من ظاهر الآيات والروايات. ولذلك كان يفتي حسب فهمه ويتعصب لرأيه.

في المسائل الفقهية، يرى الوهابيون ضرورة الرجوع إلى السلف الصالح واتخاذ أفكارهم وعقائدهم معياراً لعملهم؛ لأنهم عاشوا في عصر النبوة ونزول القرآن. وبما أن مسلمي صدر الإسلام كانوا يفهمون سنة النبي (ص) والقرآن الكريم بشكل أفضل، فإن فهمهم حجة علينا. ففي الواقع فهم يريدون القول إنهم لا يتبعون شخصاً واحداً، بل يتبعون خطاً فكرياً يُسمى السلفية.

من أهم الخلافات بين الوهابية والمذاهب السنية الأخرى، أن الوهابية - خلافاً للمذاهب السنية الأخرى - تعتقد أن باب الاجتهاد مفتوح، ولا يقلدون المذاهب الأربعة، ويعتبرون أقوال فقهاء المذاهب الأربعة القائلة باستحالة الاجتهاد بعد المذاهب الأربعة باطلة.[٥]

يؤمن الوهابيون بمبدأ الاجتهاد الحرّ ولا يرون ضرورة في تقليد المذاهب الأربعة. يكتب محمد بن إسماعيل الصنعاني، وهو من معاصري ابن عبد الوهاب: إن فقهاء المذاهب الأربعة لا يجيزون الاجتهاد المخالف لمذاهبهم، لكن هذا قول خاطئ لا ينطق به إلا الجاهل. وعليه، فإن الوهابيين - خلافاً للمذاهب الأربعة (الحنفي والمالكي والحنبلي والشافعي) - يقولون بانفتاح باب الاجتهاد ويعتبرون قول فقهاء المذاهب الأربعة بأن الاجتهاد بعد المذاهب الأربعة غير جائز، باطلاً.[٦]

وقد اعترض زعماء الوهابية بشدة على تقليد أهل السنة للمذاهب الأربعة واعتبروه من مصاديق التقليد الأعمى. يقول ابن تيمية في موضوع تقليد المذاهب الأربعة: من يقول إنني شافعي في الفقه وأشعري في العقيدة، فهذان القولان متناقضان، بل إن مثل هذا الاعتقاد يعد من الردة.[٧]

كما يكتب محمد بن إسماعيل الصنعاني في كتابه "تطهير الاعتقاد" ص510: إن فقهاء المذاهب الأربعة لا يجيزون الاجتهاد المخالف لتلك المذاهب، وهذا قول خاطئ لا ينطق به إلا الجاهل.[٨]

وبعد أن تبين أن الوهابية تعتبر تقليد الأئمة الأربعة بدعة، من الضروري التذكير بأنه في نظر علماء الوهابية، يجب على جميع الناس أن يصلوا بأنفسهم إلى درجة الاجتهاد، وأن يتجنبوا التقليد قدر المستطاع. وإذا لم يستطع شخص الاجتهاد في جميع المسائل، فعليه أن يجتهد بقدر استطاعته ويتجنب التقليد، ولكن حيث يعجز عن الاجتهاد يمكنه التقليد.[٩]

تقليد السلف الصالح من وجهة نظر الوهابية

يدّعي الوهابيون أنهم يرجعون إلى السلف الصالح لفهم المسائل الدينية، ولكنهم في الواقع يرجعون إلى فتاوى أحمد بن حنبل في المواضع التي لا يوجد فيها نص. يكتب محمد بن عبد اللطيف، أحد أحفاد محمد بن عبد الوهاب، في نهاية الرسالة الخامسة من رسائل "الهدية السنية":

"مذهبنا هو مذهب أحمد بن حنبل، ونحن لسنا مدّعين للاجتهاد ولا مؤيدين له، ولكن إذا تبيّن لنا سنة وحديث صحيح عن النبي، نعمل به ولا نقدم عليه قول أحد".[١٠]

على الرغم من أن الوهابيين يدّعون الاستقلال في الاجتهاد ويعتبرون كبارهم من أفضل المجتهدين، ويعترضون بشدة على تقليد علماء أهل السنة للأئمة الأربعة، إلا أنهم عملياً أصبحوا أتباعاً لآراء المذهب الحنبلي مع التركيز على أفكار ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب.

المصادر

  1. محمد بن عبد الوهاب، عزیز العظمه، المنتخب من مدونات التراث، عربستان، ریاض، بی‌تا، بی‌نا، ص١١٩.
  2. محمد بن عبد الوهاب، كشف الشبهات، ریاض، وزارة الشئون الإسلامية، چ٦، ١٤٢٠ق، ص٣٣-٣٤.
  3. دحلان، سید أحمد بن زینی، خلاصة الكلام في بیان أمراء البلد الحرام، مكتبة الكليات الأزهرية، ١٣٩٧ق، ص٣٣٨-٣٤٠.
  4. ابن عابدین، حاشية رد المحتار، ٤/٤٤٩، بیروت، دار الفكر، ١٤١٥ق، ج٤، ص٤٤٩.
  5. أميني عاملي، سید محمد، كشف الارتیاب في أتباع محمد بن عبد الوهاب، بیروت، دار الكتاب الإسلامي، ١٤١٠ق، ص١٠٦.
  6. سبحاني، جعفر، بحوث في الملل والنحل، لجنة إدارة الحوزة العلمية بقم، چ٢، ١٤١٥ق، ج٢، ص٢٤٧.
  7. ابن تیمية، مجموعة الفتاوى، محقق: عامر الجزار – أنور الباز، دار الوفاء، ج٤، ص١٠٦.
  8. أسد علي زاده، أكبر، چالش‌های فکری و سیاسی وهابیت، قم، مركز پژوهش‌های إسلامی صدا و سیما، ١٣٨٤ش، ص٣١.
  9. ابن تیمية، مجموعة الفتاوى الكبرى، محقق: عامر الجزار - أنور الباز، دار الوفاء، ج٥، ص١٢٦.
  10. أمین، محسن، نقد و بررسی عقاید و اعمال وهابی‌ها، محقق: سید علوي، إبراهیم، تهران، أمیركبیر، ١٣٨٧ش، ص١٣٥.

رده:وهابیترده:اسلام

قالب:تکمیل مقاله