عطش الإمام الحسين وأصحابه في كربلاء

    سؤال

    بعد السابع من محرم، كيف كان وضع الماء في خيام الإمام الحسين (ع)؟

    عطش الإمام الحسين(ع) وأصحابه في كربلاء هو أحد الحقائق التاريخية والمؤثرة في واقعة كربلاء، حيث أثَّر بشكل كبير على مجريات الأحداث الأخرى في تلك الواقعة، فقد كان للماء أهمية بالغة، لدرجة أن النزاع حوله بدأ قبل أيام من عاشوراء واستمر حتى نهاية المعركة في اليوم العاشر من محرم، ووفقًا للمصادر التاريخية، فإن منع الماء من قبل جيش الكوفة كان إستراتيجية عسكرية مُتبعة منذ بداية أحداث كربلاء.

    بعد منعهم عن الماء، حاول الإمام الحسين(ع) وأصحابه الوصول إليه بطرق متعددة، مثل حفر الآبار ومحاربة العدو للوصول إلى شاطئ نهر الفرات، وقد ورد في النصوص التاريخية المتعلقة بواقعة كربلاء أن الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه أشاروا مرارًا إلى معاناتهم من العطش الشديد وسعيهم لتلبية هذه الحاجة، كما أشارت بعض الأحاديث المروية عن الأئمة المعصومين(ع) إلى عطش الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه خلال أحداث عاشوراء.

    المكانة والسابقة

    يُعتبر عطش ركب الإمام الحسين (ع) ومنع الماء من قبل أعدائهم من الحقائق الثابتة والمسائل الجوهرية في واقعة عاشوراء،[١] ويؤكد الباحثون أن شحَّة الماء والعطش الشديد لعبا دورًا محوريًا في أحداث كربلاء، حتى أنهما أثَّرا بشكل كبير على مجريات الأحداث، وكان جزءٌ كبير من الحوارات بين الجيشين يدور حول الماء. [٢]

    في واقعة كربلاء، استخدم جيش الكوفة الماء كأداة حرب ضد ركب الإمام الحسين (ع)، [٣] حيث قام عمر بن سعد، بأمر من عبيد الله بن زياد، بقطع الماء عن الإمام وأصحابه وعائلته،[٤] في حين أن الإمام الحسين (ع) عندما واجه جيش الحر بن يزيد الرياحي قبل فرض الحصار ومنع الماء، سقى جنود الحر العطشى بيديه.[٥]

    كان قطع الماء أسلوبًا معروفًا في الحروب الإسلامية، حيث سبق استخدامه في غزوة بدر عندما سيطر المسلمون على آبار الماء،[٦] وحصار بيت عثمان بن عفان،[٧] ومعركة صفين حين قام جيش معاوية بقطع الماء عن جيش الإمام علي (ع). [٨]

    وقت منع الماء في كربلاء

    وفقاً للمصادر التاريخية، كان منع الماء من قِبَل عبيد الله بن زياد جزءًا من الإستراتيجية العسكرية منذ بداية الأحداث في كربلاء، فقد أصدر ابن زياد أوامره في رسالة إلى الحر بن يزيد الرياحي – وهو قائد أول جيش واجه ركب الإمام الحسين عليه السلام- يأمره فيها بزيادة الضغط على الإمام ومنع ركبه من الوصول إلى أي مصدر ماء، وإجبارهم على النزول في منطقة قاحلة بلا ماء. [٩]

    لاحقًا، نقل شمر بن ذي الجوشن رسالة من ابن زياد إلى عمر بن سعد، يأمره فيها بمنع الإمام الحسين وأصحابه من الوصول إلى نهر الفرات فور وصول الرسالة، [١٠] وبموجب هذا الأمر، أرسل عمر بن سعد بخمسمئة فارس على رأسهم عمرو بن الحجاج الزبيدي لقطع الطريق إلى النهر وحراسة الشريعة، [١١] وقد نُفذ هذا الحصار قبل ثلاثة أيام من يوم عاشوراء. [١٢]

    وفي رواية أخرى، أمر عمر بن سعد قوات عمرو بن الحجاج بمنع الإمام الحسين (ع) وأصحابه حتى من الاستفادة من الآبار التي حفرها أصحاب الإمام الحسين عليه السلام بالقرب من الفرات في محاولة منهم للحصول على الماء. [١٣]

    محاولة الإمام الحسين (ع) وأصحابه للحصول على الماء

    بعد فرض الحصار من قبل جيش الكوفة، بذل الإمام الحسين (ع) وأصحابه جهودًا كبيرة لتأمين الماء عبر وسائل متعددة، ومن تلك المحاولات ما ورد في رواية أن الإمام الحسين (ع) توجه إلى خلف خيام النساء وحفر الأرض على بعد 19 خطوة منها، فانبثق من الحفيرة ماء عذب زلال شرب منه الجميع وملؤوا القِرَب، ثم اختفى فجأة كما ظهر، [١٤] كما حاول الإمام (ع) وأصحابه حفر الآبار بالقرب من نهر الفرات أملاً بالوصول إلى الماء، لكن جيش عمر بن سعد كان يحرس المناطق المحيطة بصرامة لمنعهم من ذلك.[١٥] ومن الطرق الأخرى التي استخدمها الإمام (ع) وأصحابه للوصول إلى الماء هي الذهاب إلى شاطئ الفرات والقتال مع حراسه والانتصار عليهم، فمرّة وصل علي الأكبر مع مجموعة من أصحابه إلى الشريعة وأحضر الماء،[١٦] وأخرى توجه العباس (ع) مع نافع بن هلال الجملي في ليلة التاسع من محرم مع مجموعة من ٣٠ فارسًا و٢٠ راجلًا، فملأوا عشرين قربةً من ماء الفرات ونقلوها إلى الخيام بعد اقتتال مع حراس الفرات،[١٧] أما المرة الثانية التي تحرك فيها العباس (ع) لإحضار الماء من الشريعة، فقد أدت إلى استشهاده (ع). [١٨]

    آثار منع الماء عن معسكر الإمام الحسين (ع)

    منذ بداية منع الماء استخدمه جيش الكوفة كأداة ضغط على معسكر الإمام الحسين (ع)، حيث كانوا يذكرون بشكل متعمد في خطاباتهم أن الماء بعيد عن متناول الحسين وأصحابه، وذلك بهدف كسر معنوياتهم،[١٩] في المحاورات بين أصحاب الإمام (ع) وجيش الكوفة، أدان أصحاب الحسين (ع) بشدة قسوة حصار الماء، خاصةً مع وجود النساء والأطفال العطشى لإتمام الحجة على جيش الكوفة،[٢٠] ونقلت بعض الروايات التي تُظهر معاناة النساء والأطفال من العطش في ركب الإمام الحسين (ع) خلال واقعة عاشوراء؛ ومنها:

    1. حوار جرى بين الإمام الحسين (ع) وابنه علي الأكبر (ع) بعد إحدى معاركه، حيث اشتكى الأكبر لأبيه ممّا يعانيه من ألم العطش.[٢١]
    2. أن الإمام الحسين (ع) عندما طلب من جيش الكوفة أن يسقوا طفله عبد الله الرضيع أخبرهم بأنّ الطفل يتلوّى من شدة العطش. [٢٢]
    3. عندما طلب العباس (ع) الإذن من الإمام الحسين (ع) للخروج إلى القتال، طلب منه الإمام (ع) أن يُحضر الماء للأطفال العطاشى. [٢٣]
    4. أن أنين الأطفال الظمأى جعل العباس (ع) يُصرّ على إحضار الماء بدل التوجه إلى القتال. [٢٤]
    5. أن الإمام الحسين (ع) - من شدة عطشه أثناء القتال يوم عاشوراء - رأى السماء كأنها دخان. [٢٥]

    العطش في كربلاء برواية المعصومين (ع)

    ورد في روايات المعصومين (ع) إشاراتٌ صريحة إلى عطش الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه في واقعة عاشوراء، منها:

    • رواية عن النبي (ص): قال رسول الله (ص) لابنته فاطمة (ع): "أَتَانِي جَبْرَئِيلُ فَبَشَّرَنِي بِفَرْخَيْنِ يَكُونَانِ لَكَ، ثُمَّ عُزِّيتُ بِأَحَدِهِمَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُقْتَلُ غَرِيباً عَطْشَاناً، فَبَكَتْ فَاطِمَةُ حَتَّى عَلَا بُكَاؤُهَا. [٢٦]
    • موقف الإمام علي (ع) في صفين: بعد أن أحضر الإمام الحسين (ع) الماء لجيش الكوفة بأمر أبيه في معركة صفين، بكى الإمام علي (ع) قائلاً: "ذكرت أنه سيقتل عطشاناً بطف كربلاء".[٢٧]
    • نقش الإمام السجاد (ع) على القبر: نقش الإمام زين العابدين (ع) بأصابعه على تراب قبر أبيه: "هذا قبرُ حسين بن علي بن أبي طالب، قتلوه عطشاناً غريباً".[٢٨]
    • قول الإمام الباقر (ع): "إن الحسين صاحب كربلاء قُتل مظلوماً مكروباً عطشاناً لهفاناً..." [٢٩]
    • رواية الإمام الصادق (ع): نقل عن الإمام السجاد (ع) وصفه للإمام الحسين (ع) بأنه "قُتِلَ عَطْشَاناً".[٣٠]
    • زيارة الناحية المقدسة: ذكر الإمام المهدي (عج) في زيارة الناحية المقدسة: "السَّلامُ عَلى الشِّفَاهِ الذَّابِلاتِ".[٣١]

    ذات صلة

    المصادر

    1. ابن أعثم الكوفي، محمد بن علي، الفتوح، تحقيق علي شيري، دار الأضواء، ۱۴۱۱هـ، ج۵، ص۹۲؛ أيضاً: مطهري، مرتضى، الحماس الحسيني، طهران، انتشارات صدرا، ۱۳۷۶ش، ج۱، ص۲۱۷.
    2. فروغي أبري، أصغر، «مسألة الماء في كربلاء»، تاريخ في مرآة التحقيق، العدد ۴، ۱۳۸۲ش، ص۱۳۳.
    3. فروغي أبري، «مسألة الماء في كربلاء»، ص۱۳۴.
    4. الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك)، ليدن هولندا، مطبعة بريل، ۱۸۷۹م،ج4، ص۳۱۱.
    5. الطبري، تاريخ الطبري، ج۴، ص۳۰۲.
    6. ابن الأثير،‌ أبو الحسن علي بن محمد، الكامل في التاريخ، بيروت، دار صادر و دار بيروت، ۱۳۸۵هـ، ج۲، ص۱۲۲.
    7. ابن الأثير،‌ الكامل في التاريخ، بيروت، ج۳، ص۱۷۲.
    8. المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، القاهرة، المؤسسة العربية الحديثة، ۱۳۸۲هـ، ص۱۶۰-۱۶۲.
    9. البلاذري، أحمد بن يحيى، جمل من أنساب الأشراف، تحقيق محمد باقر المحمودي، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، ۱۳۹۸هـ، ج۳، ص۱۷۶.
    10. الطبري، تاريخ الطبري، ج۴، ص۳۱۱.
    11. الخوارزمي، موفق بن أحمد، مقتل الخوارزمي، تحقيق الشيخ محمد السماوي، انتشارات أنوار الهدى، ۱۴۲۳هـ، ج۱، ص۳۴۷.
    12. الطبري، تاريخ الطبري، ج۴، ص۳۱۲.
    13. ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج۵، ص۹۱.
    14. الخوارزمي، موفق بن أحمد، مقتل الخوارزمي، تحقيق الشيخ محمد السماوي، انتشارات أنوار الهدى، ۱۴۲۳هـ، ج۱، ص346.
    15. ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج۵، ص۹۱.
    16. الصدوق، محمد بن علي، الأمالي، قم، مؤسسة البعثة، ۱۴۱۷هـ، ص۲۲۱.
    17. أبي ‌‌مخنف، لوط بن يحيى، وقعة الطف، تحقيق محمد هادي اليوسفي الغروي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ۱۳۷۶ش، ص۱۹۱.
    18. ابن‌ شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، النجف، المطبعة الحيدرية ۱۳۷۶هـ، ج۳، ص۲۵۶.
    19. الطبري، تاريخ الطبري، ج۴، ص۳۱۲.
    20. البلاذري، أنساب الأشراف، ج۳، ص۱۸۹.
    21. السيد ابن ‌طاووس، علي بن موسى، اللهوف على قتلى الطفوف، طهران، نشر جهان، ۱۳۴۸ش، ص۱۱۳.
    22. السيد ابن ‌طاووس، علي بن موسى، اللهوف على قتلى الطفوف، طهران، نشر جهان، ۱۳۴۸ش، ص169.
    23. المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، ۱۴۰۳هـ، ج۴۱، ص۴۵.
    24. المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، ۱۴۰۳هـ، ج۴۱، ص۴۵.
    25. العطاردي، عزيز الله، مسند الإمام الشهيد أبي‌ ‌عبد الله الحسين بن علي(ع)، طهران، انتشارات عطارد، ۱۳۷۶ش، ج۱، ص۲۱۴.
    26. الطبري الصغير، محمد بن جرير، دلائل الإمامة، قم، مؤسسة البعثة،‌ ج۱، ص۱۰۲.
    27. المجلسي، بحار الأنوار، ج۴۴، ص۲۶۶.
    28. البهبهاني، محمد باقر بن عبد الكريم، الدمعة الساكبة في أحوال النبي (ص) و العترة الطاهرة، بيروت، مكتبة العلوم العامة، ۱۴۰۸-۱۴۰۹هـ، ج۵، ص۱۳.
    29. ابن ‌قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات، تحقيق عبد الحسين الأميني، النجف، دار المرتضوية، ۱۳۵۶هـ، ج۱، ص۱۶۸.
    30. السيد ابن ‌طاووس، اللهوف، ص۱۲۱.
    31. المجلسي، بحار الأنوار، ج۱۰۱، ص۱۲۱.

    رده:امام حسین(ع)رده:تاریخ و سیره معصومان


    رده:درگاه امام حسین(ع)