عرض مصدر السيدة مريم (عليها السلام)

{{شروع متن}}
{{سوال}}
ما هي مكانة السيدة مريم ومنزلتها؟
{{پایان سوال}}
السيدة مريم (عليها السلام) هي المرأة الوحيدة التي ذُكِر اسمها في [[القرآن الكريم]]، وقد قدّمها الله نموذجًا لجميع المؤمنين. ووفقًا للآيات القرآنية، كانت تتمتع بمقامات جليلة، مثل اصطفائها من قِبَل الله، ولقبها بـ"الصدّيقة" (الكثيرة الصدق)، وامتلاكها الطهارة والعفة، ومخاطبتها للملائكة. وقد ذهب بعض علماء المسلمين إلى الاعتقاد بنبوّتها.

وفقًا لنذر والدتها، أُخذت السيدة مريم (عليها السلام) إلى معبد [[بيت المقدس]] لتخدم [[الله]] وتعبده. وقد اختلف الكهنة حول من يتولى كفالتها. لحل النزاع، أجروا قرعة، فوقع السهم على [[النبي زكريا (عليه السلام)]]، الذي أصبح كفيلها. كانت السيدة مريم (عليها السلام) تتعبد في الجزء الشرقي من المعبد، واشتهرت بالتقوى بين قومها. ووفقًا للقرآن الكريم، كان النبي زكريا (عليه السلام) يرى لديها طعامًا ويسألها عن مصدره، فكانت تجيبه بأنه مرسل من الله.

وبحسب ظاهر آيات القرآن وتصريح الروايات، حملت السيدة مريم (عليها السلام) بمعجزة دون الطرق المعتادة للحمل. ولم يذكر القرآن مدة حملها. ووفقًا لرأي بعض المفسرين، استمر حملها تسعة أشهر كغيرها من النساء، بينما يرى آخرون أن مدة حملها كانت معجزة، ولم تتجاوز ساعة واحدة.

== المكانة ==  
{{المقالات الرئيسة: القدوة في شخصية السيدة مريم والنساء النموذجيات في القرآن}}  
قدّم القرآن الكريم السيدة مريم (عليها السلام) نموذجًا لجميع المؤمنين:  
* {{قرآن|وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا... وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا|سوره=التحريم|آیه=۱۱-۱۲}}.    
وفي الآية 42 من سورة آل عمران، أشار القرآن إلى فضائلها العظيمة مثل اصطفائها من قِبَل الله وطهارتها:    
* {{قرآن|يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ|سوره=آل عمران|آیه=۴۲}}.  

لم يُذكر في القرآن الكريم اسم امرأة سوى السيدة مريم (عليها السلام). ووفقًا للآيات، كانت الملائكة تخاطبها.<ref>سورة آل عمران، الآيات 42–43</ref> وفي موضعين، صرّح الله تعالى بعفتها وطهارتها.<ref>سورة التحريم، الآية 12؛ كذلك: سورة الأنبياء، الآية 91</ref> كما وصفها بالصدّيقة<ref>سورة المائدة، الآية 75</ref>، وهو لقب يدل على كثرة صدقها.<ref>السيدة مريم (عليها السلام): رمز العبادة، ناهيد طيبي، مجلة فرهنگ كوثر، العدد 22، 1998م.</ref> وأمرها الله في القرآن بالعبادة<ref>سورة آل عمران، الآية 43.</ref>، واعتبرها من القانتين.<ref>سورة التحريم، الآية 12.</ref> وقد فسّر المفسرون القانتين بأنهم الذين يداومون على طاعة الله.<ref>القُرشي، علي أكبر، تفسير أحسن الحديث، الجزء 11، ص 245</ref>
  
اعتقد علماء بارزون مثل محمد بن أحمد القرطبي، مفسر القرن السابع الهجري<ref>القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 1985م، الجزء 4، ص 83.</ref>، وتقي الدين السبكي، فقيه ومحدّث القرن الثامن الهجري<ref>الألوسي، روح المعاني، 1995م، الجزء 2، ص 149</ref>، بنبوّة السيدة مريم (عليها السلام). واستدلّوا بذلك على وحي الله إليها بواسطة الملائكة، كما حدث مع الأنبياء الآخرين، بالإضافة إلى ذكر فضائلها الجليلة في [[الآية 42 من سورة آل عمران]].<ref>الألوسي، روح المعاني، 1995م، الجزء 2، ص 149</ref>  

وفي النصوص العرفانية، عُدَّت السيدة مريم (عليها السلام) من [[أولياء الله]] ومن أصحاب مقام الولاية الخاصة.<ref>انعكاسات مكانة السيدة مريم (عليها السلام) في النصوص الصوفية الفارسية من القرن الرابع حتى نهاية القرن التاسع الهجري، طاهرة خوشحال دستجردي وزينب رضا بور، مجلة الدراسات العرفانية، العدد 12، 2010م</ref>  

== السيرة الذاتية ==  
على خلاف الكتاب المقدس، يبدأ القرآن الكريم قصة السيدة مريم (عليها السلام) قبل ولادتها.<ref>سورة آل عمران، الآية 35.</ref> كانت والدة مريم (عليها السلام) حاملاً وتظن أن المولود سيكون ذكرًا.<ref>مكارم الشيرازي، تفسير الأمثلة، الجزء 2، ص 523.</ref> فنذرت جنينها لله تعالى.<ref>سورة آل عمران، الآية 35.</ref> ولكن على غير توقعها، وُلدت أنثى.<ref>سورة آل عمران، الآية 35.</ref> ومع ذلك، التزمت الأم بنذرها، وأسمت المولودة "مريم".<ref>سورة آل عمران، الآية 35.</ref> ووفاءً بنذرها، أُخذت مريم (عليها السلام) إلى معبد بيت المقدس لتخدم فيه وتعبد الله.<ref>مكارم الشيرازي، تفسير الأمثلة، الجزء 2، ص 544، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الأولى، 1995م</ref> وطُلب من علماء وكبار [[بني إسرائيل]] أن يتولوا كفالتها.<ref>مكارم الشيرازي، تفسير الأمثلة، الجزء 2، ص 544، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الأولى، 1995م</ref>
  
كانت مريم (عليها السلام)، ابنة عمران، من عائلة شريفة ورفيعة المقام، مما أدى إلى نزاع بين المدّعين لكفالتها. ولحسم الأمر، أُجريت قرعة، فوقع الاختيار على [[النبي زكريا (عليه السلام)]]، الذي لم يكن لديه أطفال آنذاك، ليكون كفيلها.<ref>سورة آل عمران، الآية 44</ref>
  
كانت السيدة مريم (عليها السلام) تتعبد في الجزء الشرقي من المعبد<ref>سورة مريم، الآية 16.</ref>، واشتهرت بالتقوى بين قومها.<ref>مكارم الشيرازي، تفسير الأمثلة، الجزء 13، ص 41.</ref> ووفقًا للآيات القرآنية، كان النبي زكريا (عليه السلام) يجد لديها أرزاقًا، وعندما سألها عن مصدرها، أجابت مريم (عليها السلام) بأنها من عند الله.<ref>سورة آل عمران، الآية 37.</ref>

== حمل السيدة مريم وولادة النبي عيسى (عليهما السلام) ==
{{المقالات الرئيسة: مدة حمل السيدة مريم وكيفية حملها}}  

حملت السيدة مريم (عليها السلام)، وفقًا لظاهر آيات القرآن وتصريحات الروايات، بمعجزة ودون الطرق المعتادة للحمل.<ref>الطبرسي، فضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، 1994م، الجزء 6، ص 789.</ref> أشار [[القرآن]] إلى هذا الحدث بقوله: {{قرآن|فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُوحِنَا|سوره=الأنبياء|آیه=۹۱}}. وشبّه خلق [[النبي عيسى (عليه السلام)]] بخلق [[النبي آدم (عليه السلام)]]، حيث كان كلاهما قائمًا على معجزة.<ref>سورة آل عمران، الآية 59.</ref> أُعلن حمل السيدة مريم (عليها السلام) بواسطة كائن وصفه القرآن بـ"الروح"، وفسّره المفسرون على أنه الملك جبرائيل (عليه السلام).  

لم يذكر القرآن مدة حمل السيدة مريم (عليها السلام).<ref>مكارم الشيرازي، تفسير الأمثلة، الجزء 13، ص 40، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1995م</ref> وقد رأى بعض المفسرين أن حملها استمر تسعة أشهر كغيرها من النساء.<ref>ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، الجزء 5، ص 196، بيروت، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون، 1999م</ref> واستدلوا على ذلك بأن القرآن كان يهدف إلى مدح السيدة مريم (عليها السلام)، ولو كانت مدة حملها معجزة لكان القرآن قد أشار إلى ذلك صراحة.<ref>ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، الجزء 5، ص 196، بيروت، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون، 1999م</ref>
  
ويرى فريق آخر أن مدة حمل السيدة مريم (عليها السلام) كانت معجزة أيضًا، واستمرت ساعة واحدة فقط.<ref>المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، الجزء 14، ص 225، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1990م</ref> واستندوا إلى استخدام القرآن حرف "الفاء" الذي يدل على التعقيب المباشر بين قصة الحمل وولادة النبي عيسى (عليه السلام)، مما يشير إلى أن مدة الحمل كانت قصيرة ومعجزة.<ref>المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، الجزء 14، ص 225، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1990م</ref> وتؤيد بعض الروايات هذا الرأي. <ref>المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، الجزء 14، ص 225، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1990م</ref>
 
بعد ولادة النبي عيسى (عليه السلام)، عادت السيدة مريم (عليها السلام) إلى قومها.<ref>سورة مريم، الآية 27.</ref> وبأمر من الله تعالى، التزمت بالصمت.<ref>سورة مريم، الآية 26.</ref> اتهمها بنو إسرائيل بالفحشاء<ref>سورة مريم، الآيات 27–28.</ref> لإنجابها طفلًا دون أب، ولكن الله برّأها بأن أنطق الطفل<ref>سورة مريم، الآيات 30–33.</ref>، حيث عرّف بنفسه ودافع عن طهارة أمه.<ref>مكارم الشيرازي، تفسير الأمثلة، الجزء 13، ص 45.</ref>

== تمني السيدة مريم (عليها السلام) الموت ==
{{المقالة الرئيسة: تمني السيدة مريم الموت}}
وفقًا للقرآن الكريم، خلال آلام المخاض الشديدة<ref>الطيب، أطيب البيان في تفسير القرآن، الجزء 8، ص 431، طهران، منشورات الإسلام، 1999م.</ref>، تمنّت السيدة مريم (عليها السلام) الموت:  
{{قرآن|يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا|سوره=مريم|آیه=۲۳}}.
  
يرى [[محمد جواد مغنية]]، وهو مفسر شيعي معاصر، أن التلفظ بمثل هذه العبارات أمر طبيعي لأي إنسان يمر بظروف قاسية، طالما أنها لا تنبع من شك في الدين.<ref>مغنية، تفسير الكاشف، الجزء 5، ص 177، طهران، دار الكتب الإسلامية، 2003م.</ref>

لم يذكر القرآن سبب تمني مريم (عليها السلام) الموت، لكنه نقل كلامها فقط.<ref>فخر الرازي، مفاتيح الغيب، الجزء 21، ص 525، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 2000م.</ref> ومع ذلك، أورد المفسرون عدة أسباب لهذا التمني<ref>مكارم الشيرازي، تفسير الأمثلة، الجزء 13، ص 41، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1995م.</ref>:  
* الخوف من الاتهامات: كانت السيدة مريم (عليها السلام) مشهورة بين بني إسرائيل بالزهد والتقوى، حتى أن الله كان يرزقها بأرزاق سماوية. ومع مكانتها الاجتماعية الرفيعة، خافت من إنجاب طفل بدون زوج<ref>فخر الرازي، مفاتيح الغيب، الجزء 21، ص 525، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 2000م.</ref> وما قد يترتب على ذلك من اتهامات قومها بالفاحشة.<ref>مكارم الشيرازي، تفسير الأمثلة، الجزء 13، ص 41، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1995م.</ref>   
* الإحساس بالعزلة: كانت السيدة مريم (عليها السلام) متفرغة للعبادة ومنقطعة عن مشاغل الدنيا. وعندما وجدت نفسها فجأة حاملاً ومقبلة على آلام الولادة، شعرت بالوحدة والضياع، مما دفعها إلى تمني الموت.<ref>المدرسي، محمد تقي، من هدى القرآن، الجزء 7، ص 32، طهران، دار محب الحسين، 1998م.</ref>
== المصادر ==