مصحف فاطمة (ع)
ما هو مصحف فاطمة (ع)؟ وهل يُعرف هذا الكتاب بلقب "أخت القرآن"؟
مصحف فاطمة (ع) هو كتاب كان قد أملاه جبرائيل على السيدة فاطمة الزهراء (ع) بعد وفاة النبي محمد (ص)، وقد قام الإمام علي بن أبي طالب (ع) بكتابته. وفقاً للروايات، لا يوجد شك في وجود هذا الكتاب.
تظهر الروايات المتعلقة بمصحف فاطمة (ع) في أقدم المصادر الروائية الشيعية، مثل "بصائر الدرجات" و"الكافي". ووفقاً لتلك المصادر، لم يكن المصحف في متناول أحد، بل كان محفوظاً عند الأئمة الشيعة (ع). وقد ذكر العلامة المجلسي العديد من الروايات المتعلقة بهذا المصحف في أبواب تتعلق بعلم أهل البيت (ع).
يتضمن محتوى هذا المصحف مواضيع تتعلق بالكشف عن الأحداث المستقبلية ومصير أبناء السيدة فاطمة (ع). كما اُستفيد من وجود هذا المصحف في مجال المعارف الشيعية. وقد أدى الاختلاف بين بعض الروايات المتعلقة بمصحف فاطمة (ع) وفي بعض الأحيان التناقض الظاهري بينها إلى اختلاف آراء الباحثين حول تفاصيل هذا الكتاب. ولا توجد معلومات في المصادر الموثوقة تشير إلى أن هذا الكتاب يُعرف بلقب "أخت القرآن".
التعريف والخصائص
في روايات أهل البيت (ع) ذُكر مصحف فاطمة (ع) الذي أُلهِم إليها[١]، وتعدّ بعض هذه الروايات صحيحة السند، مما يجعل الشك عن وجود هذا الكتاب أمراً غير وارد.[٢] من بين هذه الروايات الصحيحة، يوجد نقل عن الإمام الصادق (ع) في إجابته على سؤال أحد الشيعة حول مصحف فاطمة (ع)، حيث يتم تقديم تفاصيل حول هذا المصحف، بما في ذلك كونه قد أُملِيَ في فترة السبعين يومًا التي تلت وفاة النبي (ص)، وهي الفترة التي عاشتها السيدة فاطمة (ع) بعده.[٣]
تظهر الروايات المتعلقة بوجود مصحف فاطمة (ع) في أقدم المصادر الروائية الشيعية مثل "بصائر الدرجات[٤]" و"الكافي".[٥] وقد ذكر العلامة المجلسي العديد من الروايات التي تتعلق بهذا المصحف في أبواب تتعلق بعلم أهل البيت (ع).[٦]
وفقًا لروايات أهل البيت (ع)، لم يكن هذا المصحف في متناول أحد، بل كان محفوظًا عند الأئمة الشيعة (ع).[٧] وتذكر بعض الروايات أن حجم هذا المصحف يعادل ثلاثة أضعاف القرآن الكريم.[٨] وقد تم الاستفادة من وجود هذا المصحف في مجال المعارف الشيعية.[٩] وقد تسببت الاختلافات في محتوى بعض الروايات حول مصحف فاطمة (ع) وأحيانًا التناقضات الظاهرة بينها في جعل آراء الباحثين حول تفاصيل هذا المصحف غير موحدة.[١٠]
المُملِي والكاتب
فيما يتعلق بمُملِي مصحف فاطمة (ع)، وردت روايات تذكر عدة أطراف كَمُملِي لهذا المصحف، مثل الله، والملائكة، وجبرائيل، والنبي محمد (ص).[١١] وقد جمع العلامة المجلسي بين هذه الروايات، ورآها بعض الباحثين أفضل طريقة للتوفيق بين هذه الأقوال.[١٢] حيث اعتبر المجلسي أن المقصود بـ "رسول الله" (ص) في هذه الروايات هو جبرائيل (ع).[١٣]
وقد طرح علماء آخرون، مثل السيد محسن الأمين العاملي[١٤]، والسيد جعفر مرتضى العاملي[١٥]، والسيد محمد حسين فضل الله[١٦]، طرقًا للتوفيق بين هذه الروايات.
أما فيما يخص كاتب ومُدوِّن هذا المصحف، فقد أجمع جميع علماء الشيعة وجميع الروايات التي تناولت هذا المصحف على أن الإمام علي بن أبي طالب (ع) هو الذي قام بكتابته وتدوينه.[١٧]
المحتوى
يُعتَقَد أن مصحف فاطمة (ع) يحتوي على المواضيع التالية:
- مكانة رسول الله (ص) ومستقبل أبناء السيدة فاطمة (ع).[١٨]
- بيان الأحداث المستقبلية.[١٩]
- ذكر الأنبياء الإلهيين (ع) وأسمائهم ووصاياهم.[٢٠]
- أسماء جميع الملوك والحكام حتى يوم القيامة.
- أشار عبد الحسين شرف الدين، من علماء الشيعة، إلى وجود مواضيع أخرى في هذا المصحف، مثل الأمثال والحكم والمواعظ والأخبار. إلا أن هذه الرؤية قوبلت بالرفض من قبل بعض الباحثين.[٢١]
- كما أشار بعض الباحثين استنادًا إلى رواية[٢٢]، يتحدث فيها عن كتاب تحت عنوان "كتاب فاطمة (ع)" الذي يحتوي على تفاصيل الأحكام الشرعية، إلى أن هذا المصحف يشمل جميع الأحكام الشرعية التفصيلية وتفاصيل القوانين الجزائية.[٢٣] وقد أيد السيد محمد حسين فضل الله هذا الرأي واعتبر أن "كتاب فاطمة (ع)" هو نفسه "مصحف فاطمة (ع)".[٢٤] ومع ذلك، رفض بعض العلماء هذا الرأي.[٢٥] كما تم طرح احتمال أن يكون "كتاب فاطمة (ع)" غير "مصحف فاطمة (ع)"، وأن المقصود بـ "فاطمة" في عنوان الكتاب هو فاطمة بنت الحسين (ع).[٢٦]
- من جهة أخرى، ذكر السيد حسين مدرسي طباطبائي، الباحث الشيعي وأستاذ القانون الإسلامي في جامعة برينستون، أن مصحف فاطمة (ع) يتضمن مواضيع تتعلق بأفكار باطنية شيعية تتكرر في معظم الأحيان.[٢٧] ومع ذلك، تعرض هذا الرأي للنقد.[٢٨] وفي المصادر، لا توجد معلومات تشير إلى أن هذا الكتاب قد عُرف بـ "أخت القرآن".[٢٩]
الشبهات حول المصحف
بعض المستشرقين وعلماء أهل السنة، نظرًا لاستخدام كلمة "مصحف" في عنوان مصحف فاطمة (ع) وقصر هذه الكلمة على القرآن، اتهموا الشيعة بامتلاك قرآن آخر غير القرآن الموجود بين أيدي المسلمين. من بين هؤلاء الأشخاص يمكن الإشارة إلى أغناس غولدزيهر[٣٠]، المستشرق المجري الشهير، وعبد الله القصيمي، الكاتب السلفي من المملكة العربية السعودية.[٣١]
وفي الرد على هذا الرأي، زعم بعض الباحثين أن علماء الشيعة يتفقون على أن مصحف فاطمة (ع) لا يحتوي على القرآن.[٣٢] ويستند هذا الرأي إلى العديد من الروايات التي نقلت عن أئمة الشيعة (ع)، حيث تم التأكيد في أغلب هذه الروايات بعبارات متنوعة على أن مصحف فاطمة (ع) لا يشمل القرآن.[٣٣]
المصادر
- ↑ مهدويراد، محمد علي، «مصحف فاطمة (س)»، دانشنامه فاطمي، بإشراف علي أكبر رشاد، طهران، انتشارات پژوهشگاه فرهنگ و انديشه اسلامي، 1393 ش، ج 3، ص 64.
- ↑ مهدويراد، محمد علي، «مصحف فاطمة (س)»، دانشنامه فاطمي، بإشراف علي أكبر رشاد، طهران، انتشارات پژوهشگاه فرهنگ و انديشه اسلامي، 1393 ش، ج 3، ص 64.
- ↑ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، قم، دار الحديث، 1429 هـ، ج 1، ص 599–600.
- ↑ صفار قمي، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات في فضائل آل محمد صلى الله عليهم، تحقيق: محسن بن عبّاس علي كوجة باغي، قم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1404 هـ، ص 170–181.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 1، ص 592–602.
- ↑ المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1403 هـ، ج 26، ص 49.
- ↑ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، قم، دار الحديث، 1429 هـ، ج 1، ص 593.
- ↑ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، قم، دار الحديث، 1429 هـ، ج 1، ص 595.
- ↑ مدرسي طباطبائي، حسين، ميراث مكتوب شيعة، قم، نشر مورخ، 1386 ش، ص 41.
- ↑ مهدويراد، «مصحف فاطمة (س)»، ج 3، ص 65.
- ↑ مهدويراد، «مصحف فاطمة (س)»، ج 3، ص 68.
- ↑ مهدويراد، «مصحف فاطمة (س)»، ج 3، ص 72.
- ↑ المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 26، ص 42.
- ↑ أمين، محسن، أعيان الشيعة، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1403 هـ، ج 1، ص 357.
- ↑ عاملي، جعفر مرتضى، مأساة الزهراء (س): شبهات وردود، بيروت، دار السيرة، 1418 هـ، ج 1، ص 116.
- ↑ هاشمي، هاشم، حوار مع فضل الله حول الزهراء (س)، بيروت، دار الهدى، 1422 هـ، ص 151.
- ↑ مهدويراد، «مصحف فاطمة (س)»، ج 3، ص 73.
- ↑ الصفار القمي، بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد صلى الله عليهم، ص 174.
- ↑ الفتال النيسابوري، محمد بن أحمد، روضة الواعظين وبصيرة المتعظين، قم، منشورات الرضي، 1375 ش، ج 1، ص 211.
- ↑ المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 26، ص 18.
- ↑ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين وبصيرة المتعظين، ج 1، ص 211.
- ↑ شرف الدين، عبد الحسين، المراجعات، قم، المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، 1426 هـ، ص 603.
- ↑ هاشمي، حوار مع فضل الله حول الزهراء (س)، ص 172.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 7، ص 37–41.
- ↑ قزويني، محمد كاظم، فاطمة الزهراء (س) من المهد إلى اللحد، بيجا، بينا، بيتا، ص 96.
- ↑ هاشمي، حوار مع فضل الله حول الزهراء (س)، ص 167.
- ↑ مدرسي طباطبائي، ميراث مكتوب شيعة، ص 41.
- ↑ مهدويراد، «مصحف فاطمة (س)»، ج 3، ص 82.
- ↑ جولدتسيهر، إغناس، اتجاهات التفسير بين المسلمين، مقدمة سيد محمد علي إيازي، ترجمة سيد ناصر طباطبائي، طهران، انتشارات ققنوس، 1383 ش، ص 256–257.
- ↑ عميدي، ثامر هاشم حبيب، دفاع عن الكافي: دراسة نقدية مقارنة لأهم الطعون والشبهات المثارة حول كتاب الكافي للشيخ الكليني، قم، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، 1415 هـ، ج 2، ص 353.
- ↑ مهدويراد، «مصحف فاطمة (س)»، ج 3، ص 75.
- ↑ الصفار القمي، بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد صلى الله عليهم، ص 170.
- ↑ الكليني، محمد، الكافي، ج 1، ص 595.