تكفير الشيعة عند أهل السنة
هل مذاهب أهل سنة الأربعة يكفّرون الشيعة الإمامية؟
توجد آراء مختلفة عند أهل السنة حول الشيعة، فالعديد من علماء السنة يرون أن الشيعة من مسلمين، وقد قدموا أدلة في مؤلفاتهم تثبت قبول الشيعة ضمن الإطار الإسلامي، ومن بين هذه الأدلة، رواية الأحاديث عن رواة شيعة في كتب أهل السنة، وقبول شهادتهم في المسائل القضائية - خلافًا لعدم قبول شهادة غير المسلمين، ووفقًا لهؤلاء العلماء، فإن الكفر منوط إنكار ضروريات الإسلام فقط، ومن هنا، لا يمكن اعتبار الشيعة كفارًا، وقد أعلن بعض العلماء المعاصرين مثل الشيخ محمود شلتوت اعتبار المذهب الشيعي كمذهب إسلامي معترف به، وأجازوا الاقتداء بفقهه.
وفي المقابل، هناك مجموعة أخرى من أهل السنة تعتبر الشيعة كفارًا، وتكفرهم بناءً على ادعاءات مثل تكفير الشيعة للصحابة، أو الاعتقاد بتحريف القرآن، أو الغلو في الأئمة، وقد ناقش علماء الشيعة هذه الادعاءات وردوا عليها بالتفصيل، هذا الاختلاف يعكس تنوع المواقف تجاه الشيعة في المذاهب السنية.
ضابطة الكفر عند أهل السنة
يؤكد فقهاء أهل السنة بأن إنكار أحد ضروريات الإسلام يؤدي إلى الكفر والخروج من الدين. وفقًا لهذا الضابط والمعيار، لا يمكن اعتبار الشيعة كفارًا من وجهة نظر المذاهب السنية الأربعة، إذ أنهم يؤمنون بأصول الإسلام مثل التوحيد والنبوة واليوم الآخر والأحكام الأساسية للشريعة، والخلافات بين الشيعة والسنة تكمن في مسائل لا تعتبر من ضروريات الدين، وإنكارها لا يخرج عن الإسلام. [١]
وذكر النووي وهو أحد أبرز علماء السنة في شرحه على صحيح مسلم أن المسلمين لا يُكفَّرون بسبب الذنوب، وأن الكفر يتحقق فقط بإنكار ضروريات الدين،[٢] كما تؤكد العديد من الروايات في المصادر السنية على حرمة دماء وأموال وأعراض من يشهد بأن "لا إله إلا الله" و"محمد رسول الله"، وتحرِّم تكفيرهم.[٣]
كان اعتراف علماء السنة بإسلام الشيعة مذكوراً بشكل ضمني في المؤلفات القديمة، لكن في الكتب المعاصرة توجد تصريحات أكثر وضوحًا، فعلى سبيل المثال، أكد جاد الحق (مفتي مصر ووزير أوقافها السابق) وحسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين) على إسلام الشيعة.[٤]
اعتبار الشيعة كمسلمين عند أهل السنة
بناءً على رأي راغب السرجاني في كتابه "الشيعة نضال أم ضلال"؛ يعتقد العديد من علماء أهل السنة أن الشيعة الإثني عشرية من المسلمين،[٥] وتوجد في نصوص أهل السنة أدلة متعددة تؤيد هذا الرأي، ومن تلك الأدلة: 1. رواية الأحاديث عن الرجال الشيعة: نقل المحدّثون من أهل السنة في مصادرهم الحديثية أحاديث عن رواة شيعة، كما توجد في كتب الرجال لدى أهل السنة حالات كثيرة وُصِف فيها الراوي بأنه شيعي مع التأكيد على وثاقته.[٦] 2. قبول شهادة الشيعة: في الفقه السني لا تُقبل شهادة غير المسلمين في القضاء، ومع ذلك صرّح بعض العلماء مثل أبو يوسف القاضي،[٧] والشافعي بقبول شهادة الشيعة.[٨] 3. ذكر الأشعري للشيعة كفرقة إسلامية: حيث ذكر الأشعري في كتابه "مقالات الإسلاميين" الشيعة كإحدى الفرق الإسلامية.[٩] 4. رأي ابن تيمية في أهل البدع: أشار ابن تيمية في كتابه "دقائق التفسير" إلى أهل البدع (بما فيهم الرافضة والجهمية) كمسلمين وتحدث عن دورهم في نشر الإسلام مؤكدًا أن إسلامهم -رغم بدعهم- أفضل من كفرهم.[١٠]
الاعتراف بالشيعة مع جواز التقليد المذهبي
يعتقد بعض أهل السنة أن الشيعة فرقة إسلامية ويجوز تقليد مذهبهم الفقهي، وقد ظهر هذا الرأي في العصر الحديث، وكان رائده الشيخ محمود شلتوت (من رؤساء جامعة الأزهر ومؤسسي "دار التقريب بين المذاهب الإسلامية"). حيث أصدر فتوى نصّها:
« | إن المذهب الجعفري المعروف بمذهب الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعًا كسائر مذاهب أهل السنة. | » |
ونُشرت هذه الفتوى أول مرة في مجلة "رسالة الإسلام" التابعة لدار التقريب بمصر، وصدرت في ١٧ ربيع الأول ١٣٧٨هـ (ونُشرت في ٣ محرم ١٣٧٩هـ).[١١]
تكفير الشيعة
يعتقد فريق من أهل السنة بكفر الشيعة، وهؤلاء المكفّرين منهم مَن يُكفّر الشيعة بالمطلق[١٢] (أي أن كل من اندرجت عقيدته تحت مسمى التشيع فهو كافر)،[١٣] ومنهم من يكفّر الشيعة ضمن معايير وضوابط معيّنة،[١٤] يقول العودة وهو أحد علماء السلفيين[١٥]: "أفتى جماعة من العلماء بأن الشيعة غير مسلمين، لكن هذا لا يعني تكفير شخصياتهم أو أفرادهم". فمن كفّر الشيعة وفق المعايير والتصرفات استند في ذلك على أدلة مثل: 1. غلو الشيعة في أئمتهم: فهم يعتقدون بأن الشيعة يرفعون بعض المخلوقين (أئمة الشيعة) إلى مرتبة الألوهية. 2. الاعتقاد بتحريف القرآن: فالشيعة بنظرهم يعتقدون بأن بعض الصحابة حذفوا سوراً كاملة من القرآن مثل سورة "النورين" و"الولاية". 3. تكفير الصحابة: حيث اتهموا الشيعة بتكفير معظم صحابة النبي وشتمهم. 4. تكفير أهل السنة: تعتقد هذه الفرقة من أهل السنة أن الشيعة يكفّرون أهل السنة وينجسونهم، بل وأن الشيعي يطهر يده بعد مصافحة السني. وقد ناقش علماء الشيعة وبعض علماء أهل السنة هذه الأدلة وردّوا عليها باحتجاجات مختلفة.[١٦]
المصادر
- ↑ حسين، رجبي، دراسة في فتوى التكفير من نظر المذاهب الإسلامية، ۱۳۸۸ش، مشعر، طهران، ص۲۷
- ↑ النووي، يحيى بن شرف، شرح صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1392هـ، ج1، ص150.
- ↑ النووي، يحيى بن شرف، شرح صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1392هـ، ج4، ص1871.
- ↑ جاد الحق، علي، مجموع الفتاوى، دار الفاروق للاستثمارات الثقافية، الجيزة، 2008م، ص82-85؛ عمارة، محمد، معالم المشروع الحضاري في فكر البنا، دار السالم، القاهرة، 1430هـ، ص73.
- ↑ السرجاني، راغب، الشیعة نضال أم ضالل، القاهرة، دار الكتب المصرية، 1432هـ، ص۱۳۸.
- ↑ ابن حجر العسقالاني، أحمد بن علي، تهذيب التهذيب، مطبعة دائرهة المعارف النظامية. ج7، ص۳۳۷.
- ↑ الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، الكفاية في علم الدراية، المكتبة العلمية، ص۱۲۶.
- ↑ الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، الكفاية في علم الدراية، المكتبة العلمية، ص120.
- ↑ الأشعري، علي بن اسماعيل، مقالات الاسلاميين، ألمانيا - ويسبادن، فرانس شتاينر، 1400هـ، ص۵.
- ↑ ابن تيمية، دقائق التفسير، ج۲، دمشق، مؤسسة القرآن، 1404هـ، ص۱۴۴.
- ↑ سلهب، حسن، الشيخ محمود شلتوت قراءة فی تجربة الإصلاح و الوحدة الاسلامية، بیروت، 2008م، ص۱۵۴.
- ↑ رحيلي، إبراهيم بن عامر، التكفير وضوابطه، دار الإمام أحمد، 2008م، ص۱۱۷.
- ↑ عودة، سلمان بن فهد، دروس للشيخ سلمان العودة، ج۴۳، ص۱۱۸.
- ↑ رحيلي، إبراهيم بن عامر، التكفير وضوابطه، دار الإمام أحمد، 2008م، ص118.
- ↑ فلاح تفتي، محمد رضا؛ حسيني، السيد محمد؛ مؤمني، عابدين؛ داورزني، حسين، «عدم تكفير الشيعة عند مذاهب أهل السنة»، مجلة الفقه المقارن، العدد14، ص۶۱-۸۲.
- ↑ فلاح تفتي، محمد رضا؛ حسيني، السيد محمد؛ مؤمني، عابدين؛ داورزني، حسين، «عدم تكفير الشيعة عند مذاهب أهل السنة»، مجلة الفقه المقارن، العدد14، ص۶۱-۸۲.