القضاء والقدر
ما هو القضاء والقدر؟
القضاء والقدر الإلهي يعد من المفاهيم الأساسية في علم اللاهوت الإسلامي، حيث يشير إلى كيفية وقوع الأحداث وتنظيم شؤون الكون. القضاء هو تحقق حادثة معينة بشكل نهائي وحتمي بعد أن تتوافر المقدمات والظروف المادية اللازمة لها. بعبارة أخرى، القضاء الإلهي هو النتيجة الحتمية للعمليات التدريجية والسببية التي تؤدي إلى وقوع حدث ما. أما القدر أو التقدير الإلهي، فيشير إلى تحديد الله لمدى وحدود وخصائص كل ظاهرة. وهذه الخصائص تتجلى تدريجيًا تحت تأثير عوامل متعددة.
يتم تقسيم القضاء والقدر في التعاليم الإسلامية إلى نوعين:
- القضاء والقدر العلمي: يرتبط هذا النوع بعلم الله تعالى عن الزمان والمكان وكيفية وقوع الظواهر. وفقًا لهذا المفهوم، يعلم الله مسبقًا كيف ومتى سيحدث كل حدث. وهذا العلم الإلهي لا يتناقض مع إرادة الإنسان، لأن الله يعرف اختيارات الإنسان الإرادية ويعلم أي الطريق سيسلكه في استخدام إرادته وحريته.
- القضاء والقدر العيني: يشير هذا النوع إلى تحقق الأمور بشكل خارجي وواقعي. في هذه الحالة، يحدد الله تعالى لكل كائن وحدث خصائصه، ومداه، وحدوده. ومن الأمثلة على القضاء والقدر العيني: شكل الإنسان، جنسه، لون بشرته، وحتى نطاق حياته على الأرض. كما أن الأعمال والسلوكيات البشرية تتم ضمن إطار هذا القضاء والقدر العيني. ورغم هذه الحدود، يبقى الإنسان متمتعًا بحرية الاختيار في تحديد مسار حياته.
في الرؤية الإسلامية، لا يتناقض القضاء والقدر مع إرادة الإنسان واختياره. وعلى الرغم من أن الله قد حدد المعالم العامة للأمور، إلا أن الخيار النهائي في الأفعال والسلوكيات يعود إلى الإنسان، ولذلك فهو مسؤول عن عواقب قراراته وأفعاله.[١]
معنى القضاء
كلمة "قضاء" في اللغة تعني الفصل بين الأمور، سواء كان ذلك بالفعل أو القول، سواء نسب إلى الله تعالى أو إلى غيره.[٢] كما أنها تعني إتمام أمر أو إصدار حكم. أما كلمة "قاضي" فهي تُطلق على الشخص الذي يفصل بين طرفين ويحكم بينهما، لذلك يُسمى قاضيًا لأنه ينتهي في عمله بالفصل بين الأمور.[٣][٤]
وقد وردت كلمة "قضاء" في القرآن الكريم بمعانٍ عدة، وهي[٥]:
- قضاء بمعنى الخلق أو الإتمام: مثل قوله تعالى: ﴿وَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ؛ فَصَارَتْ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ في يومين﴾(فصلت:۱۲)، حيث يدل على خلق وتتميم الأشياء.
- قضاء بمعنى الإلزام أو وجوب الأمر: مثل قوله تعالى: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدوا إِلّا إِيّاهُ؛ حَكَمَ رَبُّكَ أن لا تعبدوا إلا هو﴾(الإسراء:۲۳).
- قضاء بمعنى الإعلام أو الإخبار: مثل قوله تعالى: ﴿وَقَضَينا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ﴾(الإسراء:۴).
أما القضاء الإلهي، في اصطلاح علماء علم الكلام، فهو المرحلة النهائية والحتمية لوقوع حدث ما، بعد أن تتوافر جميع مقدماته وأسبابه وشروطه. فالقضاء الإلهي يعني أن الله تعالى بعد أن يهيئ المقدمات والظروف، يؤدي إلى النتيجة الحتمية النهائية لذلك الحدث.[٦]
معنى القدر
القدر، أو ما يُعرف بالتقدير الإلهي، هو أن الله تعالى قد حدد لكل ظاهرة أو حدث مقياسًا و حدودًا خاصة من حيث الكمية، النوع، الزمان، والمكان. مرحلة القدر تسبق مرحلة القضاء. فمرحلة القدر هي مرحلة القياس وتوفير الأسباب والظروف اللازمة لحدوث أمر ما، بينما مرحلة القضاء هي مرحلة إتمام الأمر وتحقيقه بشكل نهائي.[٧]
القضاء والقدر العلمي والعيني
يتم تقسيم القضاء والقدر إلى نوعين:
القضاء والقدر العلمي
التقدير العلمي يعني أن الله تعالى يعلم مسبقًا متى وأين وكيف سيحدث كل حدث. يشمل هذا العلم الإلهي معرفة جميع المقدمات، الأسباب، والعوامل التي تؤدي إلى تحقق كل ظاهرة بشكل حتمي. ويُعرف هذا العلم بالقضاء والقدر العلمي. علم الله تعالى بأعمال واختيارات الإنسان لا يتعارض مع حرية الإنسان في الاختيار. فالله يعلم مسبقًا أي طريق سيختار الإنسان، سواء كان طريقًا نحو المعصية أو طريقًا نحو الأعمال الصالحة. وهذا العلم الإلهي يشمل أيضًا النتائج التي تترتب على اختيارات الإنسان وأفعاله. ولذلك، فإن علم الله المسبق باختيارات وأعمال البشر لا يُنكر حرية إرادتهم، بل يُظهر إحاطة الله تعالى الكاملة بنظام الأسباب والاختيار في الكون.[٨]
القضاء والقدر العيني
جميع الكائنات في هذا العالم، سواء كانت بشرًا أو غيرها من الظواهر، تتمتع بحدود وقيود وخصائص معينة. فلا يوجد كائن في هذا الكون مطلقًا بلا حدود؛ حتى الأعمال الإرادية للإنسان تخضع لتأثيرات ظروف وحدود معينة. على سبيل المثال، لا يستطيع الإنسان التحدث باستخدام يديه أو عينيه، إذ أن الحديث يتطلب صحة الحنجرة، اللسان، الأسنان، والشفتين.
القضاء والقدر العيني يعني تحديد مقاسات وحدود وخصائص كل ظاهرة، جنبًا إلى جنب مع الظروف التي يتم فيها تحقق هذه الظاهرة. يشمل هذا التقدير الإلهي الخصائص الذاتية والشروط اللازمة لتحقيق الأمور، مثل خصائص كل كائن وأين وفي أي زمان ووقت سيظهر.[٩]
المصادر
- ↑ الطبراني، أبو القاسم (1415)، المعجم الكبير، ج 3، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، ص 58.
- ↑ راغب أصفهاني، حسين، مفردات ألفاظ القرآن، ص 406.
- ↑ مصباح يزدي، محمد تقي، آموزش فلسفه، ج 2، ص 408.
- ↑ مصباح يزدي، محمد تقي، آموزش عقاید، ج 1، ص 180.
- ↑ حلّي، حسن، كشف المراد، قم: مؤسسة نشر إسلامي، ص 315.
- ↑ مصباح يزدي، محمد تقي، آموزش عقاید، ج 1، ص 180.
- ↑ مصباح يزدي، محمد تقي، آموزش عقاید، ج 1، ص 180.
- ↑ خيداني، ليلى (1388)، «رابطة قضاء وقدر مع علم الله السابق والجبر والاختيار من وجهة نظر صدر المتألّهين»، تأملات فلسفية، 2: 159-160.
- ↑ سبحاني، جعفر، محاضرات في الإلهيات، قم، ص 226–227.