الغيبة
ما هي الغِيبَة؟
قالب:رذائل اخلاقی الغيبة هي ذكر الإنسان الغائب بعيب يكرهه بقصد التقليل من شأنه وذمّه، هذا إذا كان الكلام الذي ذكر عنه صحيح، وأما لو لم يكن صحيحاً فإنه لا يُعتبر غيبة بل يكون افتراءً، وكذلك يعتبر في الغيبة عدم حضور الشخص المُغتاب فإن كان حاضراً لم يكن الكلام عنه غيبة وإنما إهانة، وتتحقق الغيبة بأي شيء يعبّر عن قصد الشخص الذي يغتاب، سواء كان باللسان، أو القلم، أو الإشارة، أو حتى حركة العين.
المفهوم
عرّف الشهيد الثاني -وهو فقيه شيعي من القرن العاشر الهجري- والإمام الخميني الغيبة بأنها: "ذكر الانسان حال غيبته بما يكره نسبة إليه مما يعد نقصانا في العرف بقصد الانتقاص والذم".[١]
وبناءً على ذلك، هناك أربعة أمور تعتبر في تعريف الغيبة، فإذا نقص أيّ منها لم تتحقق الغيبة، وهذه الأمور الأربعة هي:
- أن يكون المتكلّم عنه غائباً؛ لذلك إذا قيلت جملة ف حضوره وهو يكره نسبتها إليه فإنها لا تُعتبر غيبة، ولكن قد تكون إهانة للمؤمن وتُعتبر حرامًا.
- أن يعلم كراهة المتكلم عنه للكلام المنسوب إليه، فإذا قيلت جملة لا تزعجه ولا يكرهها لا تُعتبر غيبة.
- أن يكون الكلام الذي قيل نقصًا في نظر العرف؛ أي عندما يسمع الناس كلام المغتاب، تقل مكانة وقيمة الذي تُكُلِّم عنه في أعينهم.
- أن يكون قصد المغتاب من كلامه التقليل من شأن ذلك الشخص وذمّه؛ لذلك إذا لم يكن لديه هذا القصد، بل كانت هناك مصلحة أهم، فإن الغيبة لا تُعتبر حرامًا، ومعظم حالات جواز الغيبة تكون في حال وجود مصلحة أهم.
الفرق بين الغيبة والافتراء والإهانة
بناءً على رواية عن النبي (ص)، فإن الفرق بين الغيبة والافتراء هو صدق أو كذب الكلام، فإذا كان الكلام الذي لا يُسرّ الشخص صحيحًا؛ فإنه يُعتبر غيبة، وإذا كان كذبًا؛ فإنه يُعتبر افتراءً،[٢] وقد ذكر الإمام الخميني في جوابه على استفتاء حول حقيقة الغيبة، أن من شروط الغيبة «مطابقة الكلام للواقع»، هذا بالنسبة للفرق بين الغيبة والافتراء،[٣] وأما الفرق بين الغيبة والإهانة فبالنظر إلى الأمر الأول من الأمور المذكورة آنفاً، إذا قيل الكلام المكروه في غياب المُتَكَلّم عنه؛ فإنه يُعتبر غيبة؛ وإذا قيل في حضوره؛ فإنه يُعتبر إهانة.
أقسام الغيبة
لا يقتصر تحقق الغيبة على كونها باللسان فقط، بل تتحقق بأي شيء يفهم منه المقصود، مثل الكتابة، أو الإشارة، أو حركة العين، ولذا تنقسم الغيبة بحسب الطريقة التي يعبّر بها المغتاب عن قصده. أحيانًا تكون الغيبة بالإشارة باليد، كما في الرواية التي ذكرت أن عائشة أشارت بيدها إلى قصر قام امرأة، فقال لها النبي (ص): "اغتبتها"[٤]
وأحيانًا يبتلى الإنسان بالغيبة عن طريق الكناية، مثل أن يُذكر اسم شخص فيقول: "الحمد لله أن الله لم يبتلنا بحب الجاه والمقام" إذ أن عبارته تعني بأن ذلك الشخص يحب الجاه والمقام.[٥]
دوافع الغيبة
تتنوع العوامل والدوافع التي تؤدي إلى الغيبة، ومن بينها العداوة، والحسد، وإضحاك الناس، والشفقة على الآخرين، والتفكير في النقاط التالية يمكن أن يكون مؤثرًا في مواجهة الدوافع السيئة، وبالتالي علاج الغيبة. تؤدي الغيبة إلى إحباط عمل الشخص الذي يقوم بالغيبة، وتسجل أعماله الحسنة في صحيفة أعمال الشخص الذي اغتابه، كما أن الشفقة على الآخرين لا تعني ذكر مشاكل وعيوب الآخرين في المجالس؛ بل يجب اتخاذ خطوات عملية لحل مشكلاتهم، كما يمكن استبدال الغيبة بالأنشطة الترفيهية المحللة، ويُعتبر هذا أحد الطرق الفعالة للتخلص من هذه الرذيلة الأخلاقية.
آثار الغيبة
تنقسم آثار الغيبة إلى قسمين: دنيوية وأخروية، فمن بين العواقب الدنيوية للغيبة انعدام ثقة الناس اتجاه الشخص الذي يغتاب، وإثارة الكراهية والعداوة في المجتمع.[٦] أما الآثار الأخروية، فمنها ذهاب الحسنات وإحباط الأعمال الصالحة، فوفقًا للروايات إن أول من يدخل النار هو المغتاب.
موارد جواز الغيبة
ذكر الفقهاء جواز الغيبة في بعض الموارد، ومنها:
- التظلم من الظالم.
- غيبة المجاهر بالفسق.
- الغيبة لتحذير الناس من خطر شخص ما.
- الغيبة لتقديم المشورة لمن طلبها.
- الغيبة لبيان أسباب فسق الشاهد في القضاء.
طريقة التعامل مع الشخص الذي يغتاب
عند التعامل مع الشخص الذي يستغيب، يجب مراعاة النقاط المذكورة مثل تذكيره بعواقب الغيبة وشرح طرق علاجها، كما يجب الانتباه إلى أسلوب التعبير عند التعامل معه؛ على سبيل المثال، ألا يكون التعامل معه بين جمع من الناس،[٧] وألا يكون الأسلوب بصيغة الأمر،[٨] وتجنب الإساءة إلى شخصه،[٩] وتعزيز احترامه لذاته قبل تنبيهه لخطأه. وإذا كان الشخص حاضرًا في مجلس تجري فيه الغيبة؛ يجب عليه الدفاع عن الشخص الذي يتم اغتيابه، كما يمكن اتباع طرق أخرى مثل تغيير موضوع الحديث، أو تشتيت الانتباه، أو مغادرة المجلس لتجنب المشاركة في الغيبة.
المصادر
- ↑ الإمام الخميني، السيد روح الله، الأربعون حديث، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، الطبعة الأولى، 1371ش، ص301؛ الشهيد الثاني، رسائل الشهيد الثاني، ص284.
- ↑ الفيض الكاشاني، ملا محسن، المحجة البيضاء، «كتاب آفات اللّسان»، قم: دفتر نشر إسلامي، ج5، ص256.
- ↑ الخميني، روح الله، الاستفتاءات، قم؛ دفتر انتشارات إسلامي، 1376ش، ج2، ص619.
- ↑ النراقي، محمد مهدي، جامع السعادت، منشورات الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الرابعة، بيروت، ج2، ص294.
- ↑ شبّر، السيد عبد الله، كتاب الأخلاق، انتشارات الهجرة، قم: 1379ش، ص235.
- ↑ مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، دار الكتب الإسلامية، الطبعة السابعة عشر، 1378ش، ج22، ص189.
- ↑ افروز، غلام علي، علم نفس الاجتماع، طهران، انتشارات نوادر، ص10.
- ↑ أكبري، أبو القاسم، مشكلات الشباب واليافعين، طهران، مؤسسة نشر ساوالان، 1381ش، ص221.
- ↑ أكبري، أبو القاسم، مشكلات الشباب واليافعين، طهران، مؤسسة نشر ساوالان، 1381ش، ص338.