أدعية سورة البقرة وسورة آل عمران
أي سورة في القرآن تحتوي على أكبر عدد من الأدعية القرآنية؟ وما هي هذه الأدعية؟
ذكر القرآن الكريم أدعية في مواضع مختلفة وعلى لسان أشخاص مختلفين. ومن بين سور القرآن، تحتوي سورتي البقرة وآل عمران على أكبر عدد من الأدعية. تشمل مضامين هذه الأدعية طلب الرحمة والمغفرة والعفو عن الذنوب، والصبر، والرزق، والذرية الصالحة، والنجاة من نار جهنم، وغير ذلك.
أدعية سورة البقرة
الآية 126: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾
في هذه الآية، يطلب النبي إبراهيم (ع) من الله أمرين مهمَّين لسكان هذه الأرض المقدسة: الأمن والموارد الاقتصادية. إنّ طلب الأمن أولًا ثم الموارد الاقتصادية يشير إلى حقيقة أنّ تحقيق اقتصاد سليم غير ممكن دون وجود أمن في المدينة أو الدولة.[١]
الآية 127: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾
لم يقل إبراهيم وإسماعيل (ع): "يا رب، اقبل منا هذا العمل"، بل قالوا: "يا رب، تقبّل منا"، وذلك لإظهار التواضع وعدم الاستحقاق في خدمتهم لبناء الكعبة. ومعنى كلامهم: يا رب، اقبل هذا العمل البسيط منا، فأنت السميع لدعائنا والعليم بنيّاتنا.[٢]
الآيتان 128 و129: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُرَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ﴾
يقدّم إبراهيم وإسماعيل (ع) خمس طلبات مهمة من الله تعالى، وهذه الطلبات مدروسة وشاملة لجميع احتياجات الحياة المادية والمعنوية، مما يعكس عظمة روح هذين النبيين العظيمين:
- يا رب، اجعلنا مسلمين لك.
- واجعل من ذريتنا أمة مسلمة لك.
- أرنا مناسكنا وعرّفنا بها؛ حتى نستطيع أن نعبدك بالطريقة التي تليق بمقامك العظيم.
- تب علينا واغفر لنا، فأنت التواب الرحيم.
- يا رب، ابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة.[٣]
الآية 201: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
الناس نوعان: نوع مادي يهتم فقط بالدنيا ولذاتها الزائلة، وهؤلاء لا نصيب لهم في الآخرة.[٤] والنوع الآخر يهتم بالدنيا والآخرة معًا، ويريد أن ينعم بنعم الله في كلا العالمين. فكُن من النوع الثاني.[٥] ويجب أن نلاحظ أنّ طلب كل من الفريقين يعبَّر عنه بلغة الحال، أي أنّ أعمالهم وطريقة تفكيرهم تدلّ على ذلك.[٦]
الآية 250: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾
عندما وقف جيش طالوت وبني إسرائيل أمام جالوت وجنوده الأقوياء، رفعوا أيديهم بالدعاء وطلبوا من الله ثلاثة أمور:
- الصبر والثبات في أقصى درجاته.
- خطوات ثابتة في ساحة المعركة حتى لا تنزع من مكانها. إن الثبات في الخطى هو نتيجة للروح القوية والصبر.
- النصر على الكفار، وهو الهدف الرئيسي للجهاد، ويعتبر النتيجة النهائية للصبر والثبات والاستقامة.[٧]
الآية 286: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾
في هذه الآية، يؤكّد القرآن مبدأين أساسيين: التكليف بقدر الاستطاعة[٨] ومسؤولية كل شخص عن أعماله.[٩] ومن خلال هذين المبدأين، يعبّر المؤمنون عن سبع طلبات من الله، وهي تعليم لجميع الناس عما يجب أن يقولوه ويطلبوه. تشمل هذه الطلبات الدنيا والآخرة، والنصر الفردي والاجتماعي، والعفو والمغفرة والرحمة الإلهية.[١٠]
أدعية سورة آل عمران
تحتوي سورة آل عمران على 16 دعاء.
الآية 8: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾
بعد الاعتراف بأنّ جميع آيات القرآن من عند الله،[١١] يطلب الراسخون في العلم من الله أن يثبّتهم على هذا الاعتقاد ولا يزيله عنهم.[١٢]
الآية 16: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
في الآية 15 من سورة آل عمران، يعدّد الله نعم الجنة لأهل التقوى: ﴿قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾
ثم يذكر أدعية المتقين.
يعبّر المتقون عن عبوديتهم بذكر ربوبية الله، ويسألون من ربّهم الذي يرعاهم؛ أن يرحم حالهم، ويقضي حاجاتهم، ويغفر ذنوبهم، وينقذهم من عذاب جهنم. وليس قصد أهل التقوى أن يمنّوا على الله بإيمانهم به، بل قصدهم أن يطلبوا من الله أن يحقّق لهم وعده الذي أعطاه لعباده،[١٣] وأن يفي بذلك الوعد تجاههم.[١٤]
الآية 35: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾
تأكيد زوجة عمران (ع) على العهد والطلب هو أن يقبل الله هذا الولد للعبادة. وذِكر صفتَي الله ﴿السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ تأكيد في الدعاء على أن الله يعلم صدق عهدها وطلبها، وأنّها من صميم قلبها قبلت أمر الله، وسلّمت ولدها ليكون مخصّصًا للعبادة والعبودية.[١٥]
الآية 38: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾
كان دافع النبي زكريا (ع) لقول: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ هو ما رآه من كرامة خاصة لمريم (س) من عند الله، وهي كرامة ملأت قلبه بالأمل ودفعته لمثل هذا الطلب العظيم والكرامة الكبيرة. لذلك، يمكن القول إنّ مقصوده من "ذرية طيبة" كان ولدًا يتمتع بكرامة تشبه كرامة مريم وشخصيتها. ولهذا استجاب الله تعالى لدعائه وأعطاه يحيى (ع)، الذي كان أشبه الأنبياء بعيسى (ع) وأكملهم، حيث جمع كل صفات الكمال والكرامة الموجودة في مريم وعيسى.[١٦]
الآية 53: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾
الآية 147: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾
في الآية السابقة، يصف الله المجاهدين الذين قاتلوا مع العديد من الأنبياء ورجال الله، ولم يضعفوا أبدًا أمام ما واجهوه في سبيل الله، ولم يستسلموا أبدًا. ويؤكّد الله أنّه يحبّ الصابرين. ثم يذكر دعاء هؤلاء المجاهدين. وفي الآية التالية، يقول الله إنّه أعطاهم أجر الدنيا وأجر الآخرة، وأن الله يحب المحسنين.
الآيات الختامية من سورة آل عمران:
جميع آيات القرآن لها أهمية، لأنّها جميعًا كلام الله وقد نزلت لتربية البشرية وإنقاذها. ولكن من بينها، هناك آيات تتميز بلمعان خاص، ومنها الآيات من 190 إلى 200 من سورة آل عمران، التي تُعتبر من أبرز فقرات القرآن المؤثرة. هذه الآيات تجمع بين المعارف الدينية وأسلوب المناجاة الرقيق، في شكل لحن سماوي رائع.[١٧] ومن أبرز ما تتميز به هذه الآيات، أدعية أصحاب الفكر والتدبر:
الآية 191: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
الآية 193: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾
الآية 194: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾
وبعد أن يذكر الله بإيجاز الإيمان، والبرامج العملية، وطلبات أصحاب الفكر والتدبر، ومناجاتهم، يتحدّث صراحة عن استجابة دعائهم، مؤكدًا أن الله لا يضيع عمل عامل.[١٨]
سور أخرى تحتوي على أدعية
تأتي سورة الأعراف في المرتبة التالية بعشر أدعية (الآيات 23، 43، 47، 89، 126، 143، 151، 155، 156، 196)، وتليها سورة المؤمنون بثمانية أدعية (الآيات 28، 29، 93، 94، 97، 98، 109، 118)، ثم سورة إبراهيم بستة أدعية (الآيات 35، 37، 38، 39، 40، 41).
- ↑ مكارم الشيرازى، ناصر، تفسير نمونه، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة 10، 1371ش، ج1، ص451.
- ↑ الطباطبائى، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ترجمة: محمد باقر الموسوي الهمداني، قم، مكتب النشر الإسلامى، الطبعة پنجم، 1374 ه.ش، ج1، ص427.
- ↑ مكارم الشيرازى، ناصر، تفسير نمونه، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة 10، 1371ش، ج1، ص455.
- ↑ سورة البقرة، الآية 200: ﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَه مِنْ خَلاقٍ﴾
- ↑ سورة البقرة، الآية 201.
- ↑ القرشى البنابى، علىي أكبر، تفسير أحسن الحديث، طهران، مؤسسة بعثت، مركز الطبعة والنشر، الطبعة 2، 1375 ش، ج1، ص367.
- ↑ مكارم الشيرازى، ناصر، تفسير نمونه، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة 10، 1371ش، ج2، ص245.
- ↑ سورة البقرة، الآية 286:﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها؛ خداوند هيچ كس را، جز به اندازه توانايىاش، تكليف نمىكند.﴾
- ↑ سورة البقرة، الآية 286: ﴿لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ﴾
- ↑ مكارم الشيرازى، ناصر، تفسير نمونه، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة 10، 1371ش، ج2، ص399.
- ↑ سورة آل عمران، الآية 7.
- ↑ طيب، عبدالحسين، أطيب البيان في تفسير القرآن، طهران، اسلام، الطبعة 2، 1369ش، ج3، ص115.
- ↑ سورة الأحقاف، آيه 31: ﴿وَ آمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ﴾
- ↑ الطباطبائى، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ترجمة: محمد باقر الموسوي الهمداني، قم، مكتب النشر الإسلامى، الطبعة 5، 1374ش، ج3، ص174.
- ↑ الحسينى الهمدانى، محمد، أنوار درخشان در تفسير قرآن، طهران، لطفى، الطبعة 1، 1404هـ، ج3، ص64.
- ↑ الطباطبائى، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ترجمة: محمد باقر الموسوي الهمداني، قم، مكتب النشر الإسلامى، الطبعة 5، 1374ش، ج3، ص274.
- ↑ مكارم الشيرازى، ناصر، تفسير نمونه، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة 10، 1371ش، ج3، ص213.
- ↑ مكارم الشيرازى، ناصر، تفسير نمونه، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة 10، 1371ش، ج، ص221.