كلمة شيعة في القرآن الكريم

من ويكي باسخ
المسألة

هل لكلمة "شيعة" في القرآن الكريم دلالة سلبية؟ وما هي معاني كلمة "شيعة" في القرآن؟

تستخدم كلمة "شيعة" في القرآن الكريم للدلالة على معانٍ متعددة، منها "الجماعة" و"الطائفة"، وأحيانًا بمعنى "الاتباع". وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم في سياقات إيجابية وسلبية. ففي بعض الآيات، استخدمت بمعنى إيجابي، كما في حال النبي إبراهيم (عليه السلام)، الذي وُصف بأنه "شيعة" و"اتباع" للنبي نوح (عليه السلام). بينما في بعض السياقات الأخرى، وردت الكلمة في معانٍ سلبية، مثل الإشارة إلى أولئك الذين فرقوا دينهم وأصبحوا طوائف متفرقة.

وفي بعض الآيات الأخرى، تم استخدام كلمة "شيعة" للتذكير ببعض الجماعات من دون أن يُقصد بها معنى إيجابي أو سلبي، بل كانت مجرد إشارة إلى فئات من الناس. على سبيل المثال، يتم ذكر الأمم السابقة باستخدام مصطلح "أمم" (جمع "شيعة") للإشارة إلى جماعات وأمم مختلفة.

المعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة شيعة

كلمة "شيعة" في اللغة العربية تعني "الطائفة"، "الجماعة"، "القوم"، "الأنصار"، و"الذين يتبعون" أو "المتبوعين".[١][٢] يُطلق على القوم الذين يتفقون على أمر ما أو حقيقة معينة اسم "شيعة".[٣] وإذا كان يُطلق اسم "شيعة" على أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، فذلك لأنهم جماعة يتبعون أفكار وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام).

تطور مصطلح "شيعة" مع مرور الزمن في أوساط الفرق الإسلامية ليطلق على الجماعة التي تعتقد بإمامة أهل البيت المعصومين (عليهم السلام).[٤] وفي الوقت الحالي، يُقصد بالشيعة أولئك المسلمون الذين يؤمنون بالخلافة والإمامة المباشرة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ويعتقدون أن خليفة النبي (صلى الله عليه وآله) يتم تحديده بنص شرعي.[٥][٦]

كان أول من أطلق لفظ "شيعة" على أتباع علي (عليه السلام) هو النبي محمد (صلى الله عليه وآله). فقد روى السيوطي (من علماء أهل السنة) عن جابر بن عبد الله الأنصاري وابن عباس وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) في تفسيره للآية الكريمة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُو۟لَـٰٓئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ(البينة:۷) أشار إلى علي (عليه السلام) وقال:

«أنت وشيعتك في يوم القيامة ناجون.».[٧]

وفي كتب أهل السنة، ورد أنه كان في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما دخل علي (عليه السلام)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ::«والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته في الجنة.». وعندما كان الصحابة يرون علياً (عليه السلام)، كانوا يقولون: «جاء خير البرية»[٨] أي (أفضل مخلوقات الله جاء).

الشيعة في القرآن الكريم

الجماعة والطائفة

أحد المعاني الرئيسية لكلمة "شيعة" في القرآن الكريم هو "الجماعة" أو "الطائفة"، وفي هذا السياق لا تحمل الكلمة أي دلالة إيجابية أو سلبية. ومن الآيات التي وردت فيها الكلمة بهذا المعنى: • ﴿قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلی أَنْ یَبْعَثَ عَلَیْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ یَلْبِسَكُمْ شِیَعاً(الأنعام:۶۵). • ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِی شِیَعِ الْأَوَّلِینَ(الحجر:۱۰). • ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِیعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا(مریم:۶۹). • ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِی الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَها شِیَعًا(القصص:۴). • ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ(الروم:۳۲).

الاتباع والموالاة

المعنى الثاني لكلمة "شيعة" في القرآن الكريم هو "التابع" أو "الموالي"، أي الشخص الذي يتبع فكراً أو منهجاً معيناً. وفي هذا السياق، تأخذ الكلمة دلالة إيجابية إذا كان الاتباع لشخص صالح أو لفكر قويم، وتصبح ذات دلالة سلبية إذا كان الاتباع لظالم أو لمنهج باطل. من الآيات التي تشير إلى هذا المعنى: • ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ(الصافات:۸۳). تشير الآية إلى أن النبي إبراهيم (عليه السلام) كان من أتباع النبي نوح (عليه السلام). • ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِى مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ(القصص:۱۵). في هذه الآية يُستخدم مصطلح "شيعة" للإشارة إلى أتباع النبي موسى (عليه السلام) وأتباع فرعون. • ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِى شَكٍّ مُرِيبٍ(سبأ:۵۴). تشير الآية إلى مصير أتباع الأقوام السابقة الذين كانوا في حالة شك وانحراف عن الحق.

الاختلاف والتفرقة

تأتي كلمة "شيعة" أحياناً بمعنى التفرق والاختلاف في العقيدة والفكر، وهذا الاستخدام يحمل دلالة سلبية ويُذمّ في القرآن الكريم، كما في الآية: • ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُوا۟ دِينَهُمْ وَكَانُوا۟ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شَىْءٍ(الأنعام:۱۵۹). تشير الآية إلى ذمّ الذين اختلفوا في الدين وانقسموا إلى طوائف متعددة ومذاهب متفرقة.

المصادر

  1. فراهيدي، خليل بن أحمد، العين، تحقيق: مهدي مخزومي - إبراهيم سامرائي، قم، مؤسسة دار الهجرة، الطبعة الثانية، 1409ق، ج2، ص190.
  2. جوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة الرابعة، 1407ق/1987م، ج3، ص1240.
  3. ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، قم، نشر أدب الحوزة، 1405ق، ج8، ص188.
  4. ابن أثیر جزري، مبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي، قم، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، 1364ش، ج2، ص519.
  5. شيخ مفيد، محمد بن محمد، أوائل المقالات، ص35.
  6. شهرستاني، محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، ج1، ص146.
  7. سيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، قم، مكتبة العامة مرعشي نجفي، الطبعة الأولى، 1404ق، ج6، ص379.
  8. سيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، قم، مكتبة العامة مرعشي نجفي، الطبعة الأولى، 1404ق، ج6، ص379.