المحكم والمتشابه

من ويكي باسخ
مراجعة ١٧:٣٤، ٢٠ يناير ٢٠٢٥ بواسطة Hamedhakimipoor (نقاش | مساهمات) (←‏المصادر)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
المسألة

ما المقصود بالآيات المحكمات والمتشابهات في القرآن الكريم؟

لقد ورد ذكر وجود الآيات المحكمات والمتشابهات بوضوح في الآية ٧ من سورة آل عمران، حيث وصفت الآيات المحكمات بـ"أم الكتاب". وكلمة "محكم" تعني ما هو ثابت ويمنع أي نوع من الخلل أو الفساد. أما "متشابه" فيعني ما هو مشابه، بحيث يؤدي هذا التشابه إلى إحداث خلط بين الحق والباطل. وقد ذُكرت عدة أسباب لوجود الآيات المتشابهات في القرآن، منها قصور الألفاظ في نقل المعاني السامية، وعدم قدرة العقل البشري على فهم ما وراء الطبيعة والعالم الآخر بشكل كامل، ودعوة أصحاب العقول للتأمل والتفكر في القرآن، وإحالة الناس إلى الراسخين في العلم مثل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام).

المعنى اللغوي والاصطلاحي

المحكمات

كلمة "محكم" تعني ثابت ولا يُخترق، وهي مشتقة من الجذر "حَكَمَ حُكماً" بمعنى "مَنَعَ مَنعا"، ويشير إلى منع كل شكل من أشكال الاضطراب أو الفساد. يقول راغب الأصفهاني إن كلمة "حَكَم" في الأصل تُستخدم بمعنى المنع، وبالأخص منع الفساد.[١] كذلك، يُقال إن كل كلام واضح وخالٍ من الشبهة ولا يحتمل الفهم الخاطئ، ويكون مستحكماً ولا يقبل الخلل، يُطلق عليه "محكم".[٢]

المتشابهات

كلمة "متشابه" مشتقة من الجذر "شُبْه" (اسم مصدر)، بمعنى "مثل ومماثل"، أو من "شَبَه" (مصدر)، بمعنى "أن يكون مماثلاً"، حيث يؤدي هذا التشابه إلى إخفاء الحقيقة، فيختلط الحق بالباطل مما يؤدي إلى اللبس. ويرى راغب الأصفهاني أن المتشابهات في القرآن هي الآيات التي يكون تفسيرها صعباً لأنها لا تظهر على حقيقتها بل تشبه شيئاً آخر.[٣] وعندما تظهر كلمات الحق (القرآن الكريم) بغير صورة الحق وتتشابه مع الباطل، تُسمى متشابهات.[٤]

المحكمات في القرآن

الآيات المحكمات هي الآيات التي يكون معناها واضحاً إلى درجة لا تترك مجالاً للجدل أو النقاش في تفسيرها. مثل الآية ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(الإخلاص:1). تُسمّى هذه الآيات في القرآن "أم الكتاب".[٥] ويُفهم من "أم الكتاب" أنها تعني الجذر، المرجع، ومفسّر الآيات المتشابهات.[٦]

المتشابهات في القرآن

  • طبقاً للآية: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ(آل عمران:٧)، يُذكر وجود المتشابهات في القرآن إلى جانب المحكمات. وقد نشأ التشابه في القرآن نتيجة إيجاز الألفاظ وعمق المعاني. على سبيل المثال، تستخدم الآيات التي تتحدث عن الله وأفعاله عادةً بشكل مجازي أو ضمني أو استعاري.
  • مثال على ذلك، الآية: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى(الأنفال:١٧). استند بعضهم إلى هذه الآية للقول بأن الإنسان لا إرادة له وأن جميع الأفعال هي من الله وحده، وهذا استدلال غير صحيح.[٧] بدراسة متأنية، نجد أن الآية لا تنفي قتل المسلمين أو رمي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل تؤكد أن تغلّبهم على الكفار لم يكن أمراً عادياً وطبيعياً. لقد أنزل الله ملائكة لدعم المؤمنين وترهيب الكفار، وساعدهم على هزيمتهم.[٨]
  • ومثال آخر علي الآية: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ(الإخلاص:٤٢). استعمال "الساق" في اللغة العربية كناية تدل على شدة وخطورة الأمر، وكشف الساق كناية عن الاستعداد التام للقيام بعمل، أي كما يُقال "شمر عن ساقه". ويشير هذا المعنى في الآية إلى أن يوم القيامة ستشتد الأمور وتزداد سوءاً للكفار الذين سيواجهون صعوبة بالغة.[٩]

وقد فسّر الأشاعرة وبعض المجسّمة هذه الآية على ظاهرها، فقالوا إن "الساق" تشير إلى ساق الله التي ستنكشف في ذلك اليوم، وسيدعى الكفار إلى السجود ولن يستطيعوا.

أسباب وجود الآيات المتشابهات في القرآن

ذُكرت عدة حِكم لوجود الآيات المتشابهات في القرآن الكريم، ومن بينها:

  1. قصور اللغة: الألفاظ والعبارات المستخدمة في المحادثات البشرية وُجدت لتلبية الاحتياجات اليومية، وهذا القصور في اللغة وعدم قدرتها على نقل المعاني الخارقة للطبيعة يجعل جزءًا كبيرًا من المتشابهات في القرآن يظهر ويحتاج إلى التفسير والتأويل.[١٠]
  2. قصور الفكر البشري: ترتبط العديد من الحقائق القرآنية بالعالم الآخر، الذي هو بعيد عن أفق أفكار الإنسان، فلا يستطيع البشر إدراك عمقها. هذا القصور في الأفكار وعلوّ أفق تلك المعاني يشكل سببًا آخر للتشابه في بعض الآيات، كآيات القيامة وما شابه.[١١]
  3. استقبال الإنسان للمعرفة الإلهية: القرآن كله محكم، لكن عند نزوله إلى ساحة الفكر البشري يظهر التشابه. كما أن المطر لا يكون فيه زبد قبل نزوله، لكن حين يتحرك على الأرض يتكون الزبد؛ كذلك المعرفة الإلهية لم تنزل مشوهة، وإنما جعلها القصور البشري متشابهة.[١٢]
  4. تشجيع أهل العقل على التأمل: تشجع الآيات المتشابهات أصحاب العقول والعلماء على التفكر والتدبر، ليصلوا إلى مراد الله الحقيقي، ويظهر بذلك فضلهم على غيرهم ويترقون إلى المراتب العليا في العلم والمعرفة.[١٣]
  5. التوجه نحو النبي وأهل البيت: سبب آخر هو توجيه الناس نحو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام)، حيث تؤكد الروايات حاجة الناس الشديدة إلى الأئمة الإلهيين (الراسخين في العلم) لفهم القرآن، وهذا يدفع الناس إلى طلب العلم منهم.[١٤]

مطالعة إضافية

  1. المحكم والمتشابه في القرآن، لمحمد حسيني بهشتي.
  2. دراسة في المحكم والمتشابه، لمحمد أسعدي ومحمود طيب حسيني.
  3. دراسة في المحكم والمتشابه في القرآن، لأم البنين موقر

المصادر

  1. راغب الأصفهاني، حسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، بيروت، دار الشامية، الطبعة الأولى، 1412 هـ، ص 248
  2. معرفت، محمد هادي، علوم قرآنية، ص 271
  3. راغب الأصفهاني، حسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، بيروت، دار الشامية، الطبعة الأولى، 1412 هـ، ص 443.
  4. معرفت، محمد هادي، علوم قرآنية، ص 273.
  5. القرآن، سورة آل عمران، آية 7.
  6. مکارم الشيرازي، ناصر، تفسير نمونه، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة العاشرة، 1371 ش، ج 2، ص 432.
  7. رضا، محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، بيروت، دار المعرفة، الطبعة الأولى، 1414 هـ، ج 10، ص 138.
  8. - طباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ترجمة: محمد باقر الموسوي الهمداني، قم، مكتب نشر الإسلام، الطبعة الخامسة، 1374 ش، ج 9، ص 47.
  9. الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف، بيروت، دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة، 1407 هـ، ج 4، ص 593.
  10. مکارم الشيرازي، ناصر، تفسير نمونه، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة العاشرة، 1371 ش، ج 2، ص 432.
  11. مکارم الشيرازي، ناصر، تفسير نمونه، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة العاشرة، 1371 ش، ج 2، ص 432.
  12. جوادي آملي، عبد الله، القرآن في القرآن، ص 416.
  13. - الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، ج 2، ص 396.
  14. مکارم الشيرازي، ناصر، تفسير نمونه، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة العاشرة، 1371 ش، ج 2، ص 432.