الفرق بين المراجعتين لصفحة: «خطبة الإمام السجاد (ع) في الشام»
Translation (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'{{شروع متن}} {{سوال}} قيل أن الإمام السجاد (ع) خطب في مجلس يزيد؛ فما الذي قاله الإمام في هذه الخطبة؟ {{پایان سوال}} {{پاسخ}} {{درگاه|اندازه=گوچک|امام حسین}} '''خطبة الإمام السجّاد (ع) في الشام''' من أشهر الخُطب التي ألقاها بعد واقعة عاشوراء، والتي بواسطتها تمكّن الإمام (ع)...') |
Translation (نقاش | مساهمات) لا ملخص تعديل |
||
(١٥ مراجعة متوسطة بواسطة نفس المستخدم غير معروضة) | |||
سطر ١: | سطر ١: | ||
{{شروع متن}} | {{شروع متن}} | ||
{{سوال}} | {{سوال}} | ||
ورد فی المصادر أنّ الإمام السجاد (ع) خطب في مجلس يزيد؛ فما الذي قاله الإمام في هذه الخطبة؟ | |||
{{پایان سوال}} | {{پایان سوال}} | ||
{{پاسخ}} | {{پاسخ}} | ||
{{درگاه|اندازه=گوچک|امام حسین}} | {{درگاه|اندازه=گوچک|امام حسین}} | ||
'''خطبة الإمام السجّاد (ع) في الشام''' من أشهر الخُطب التي ألقاها بعد واقعة | '''خطبة [[الإمام السجاد (ع)|الإمام السجّاد (ع)]] في [[الشام]]''' من أشهر الخُطب التي ألقاها بعد [[واقعة عاشوراء]]، والتي بواسطتها تمكّن الإمام (ع) من زعزعة شرعية الحكم الأموي وإبطال دعاياته التي استمرت أربعين عاماً ضد [[الإمام علي (ع)]] وأهل بيته (ع). | ||
يُعتبر المحور الرئيسي لمضمون هذه الخطبة هو بيان مكانة أهل البيت ( | |||
يُعتبر المحور الرئيسي لمضمون هذه الخطبة هو بيان مكانة [[أهل البيت (ع)|أهل البيت]] (ع)، وذلك توضيحاً لمدى الظلم والجور الذي أصابهم من السلطة الحاكمة جرّاء تعاملها معهم خلال واقعة كربلاء. | |||
كما تُظهر خطبة الإمام السجاد (ع) في الشام شجاعة الإمام، وفصاحته، ودوره في إضاءة طريق الحق من خلال إحياء رسالة نهضة عاشوراء، وقد ورد أن هذه الخطبة كان لها تأثير تنويري فوري؛ حيث قامت اعتراضات الناس على أفعال يزيد بن معاوية، وامتلأ مجلس الخطبة بالبكاء والعويل. | كما تُظهر خطبة الإمام السجاد (ع) في الشام شجاعة الإمام، وفصاحته، ودوره في إضاءة طريق الحق من خلال إحياء رسالة نهضة عاشوراء، وقد ورد أن هذه الخطبة كان لها تأثير تنويري فوري؛ حيث قامت اعتراضات الناس على أفعال يزيد بن معاوية، وامتلأ مجلس الخطبة بالبكاء والعويل. | ||
بحسب المصادر التاريخية، أُلقيت هذه الخطبة بعد واقعة عاشوراء، أثناء أسر سبايا آل البيت ( | بحسب المصادر التاريخية، أُلقيت هذه الخطبة بعد واقعة عاشوراء، أثناء أسر سبايا آل البيت (ع) وإجلائهم إلى الشام. ووفقاً لبعض الروايات، أمر يزيد خطيب البلاط أن يصعد المنبر ويمدح [[معاوية بن أبي سفيان]]، ويقدح في [[الإمام الحسين (ع)]] وأهل بيته، ففعل الخطيب ذلك، فتصدّى له [[الإمام السجاد (ع)]] وطلب الإذن بإلقاء كلمة، ورُفض طلبه في البداية، لكن بعد إصرار الحاضرين، وافق يزيد على أن يخطب الإمام (ع). | ||
==الأهمية== | ==الأهمية== | ||
تُعتبر خطبة الإمام السجاد (ع) في الشام من أشهر خطبه وأكثرها فرادةً وقوّةً وبلاغةً، بل ووُصفت بأنها كلامٌ فوق العادة وكلامٌ مُزلزل، فقد استطاعت هذه الخطبة أن تُهزّ شرعيةَ حكم بني أمية، وتُبطلَ حملاتهم الدعائية التي استمرت أربعين عاماً ضد الإمام علي وأهل بيته ( | تُعتبر خطبة الإمام السجاد (ع) في الشام من أشهر خطبه وأكثرها فرادةً وقوّةً وبلاغةً، بل ووُصفت بأنها كلامٌ فوق العادة وكلامٌ مُزلزل، فقد استطاعت هذه الخطبة أن تُهزّ شرعيةَ حكم بني أمية، وتُبطلَ حملاتهم الدعائية التي استمرت أربعين عاماً ضد الإمام علي وأهل بيته (ع)، <ref>الشهيدي، السيد جعفر، حياة علي بن الحسين(ع)، طهران، ۱۳۶۷ش، ص۷۵؛ مكارم الشيرازي، ناصر، عاشوراء: الجذور الدوافع الأحداث والتداعيات، قم، مدرسه الإمام علي بن أبي طالب (ع)، ۱۳۸۴ش، ص۶۱۰؛ المدرسي، السيد محمد تقي، حياة سيد الساجدين علي بن الحسين (ع)، طهران، انتشارات محبان الحسين(ع)، ۱۳۸۸ش، ص۶۹.</ref> | ||
كما جسّدت هذه الخطبة شجاعةَ الإمام السجاد (ع) وفصاحته، ومكانته الرائدة في كشف الحق وإحياء رسالة نهضة عاشوراء، وقد كان لخطبته تأثيرٌ تنويري فوري، حيث انتفض الحاضرون ضد أفعال يزيد، وامتلأ المجلس بالبكاء والنحيب، بل إن بعض الحضور غادروا المكان رافضين الاعتراف بشرعية يزيد كخليفة للمسلمين. <ref>مكارم الشيرازي، ناصر، عاشوراء: الجذور الدوافع الأحداث والتداعيات، قم، مدرسه الإمام علي بن أبي طالب (ع)، ۱۳۸۴ش، ص612.</ref> | كما جسّدت هذه الخطبة شجاعةَ الإمام السجاد (ع) وفصاحته، ومكانته الرائدة في كشف الحق وإحياء رسالة نهضة عاشوراء، وقد كان لخطبته تأثيرٌ تنويري فوري، حيث انتفض الحاضرون ضد أفعال يزيد، وامتلأ المجلس بالبكاء والنحيب، بل إن بعض الحضور غادروا المكان رافضين الاعتراف بشرعية يزيد كخليفة للمسلمين.<ref>مكارم الشيرازي، ناصر، عاشوراء: الجذور الدوافع الأحداث والتداعيات، قم، مدرسه الإمام علي بن أبي طالب (ع)، ۱۳۸۴ش، ص612.</ref> | ||
يرى بعض الباحثين أن هذه الخطبة قدّمت نموذجاً للمنابر الحسينية، حيث يمكن للخطباء أن يستلهموا منها منهجاً يجعل كلامهم أكثرَ عمقاً وتأثيراً في قلوب الناس. <ref> المدرسي، السيد محمد تقي، حياة سيد الساجدين علي بن الحسين (ع)، طهران، انتشارات محبان الحسين(ع)، ۱۳۸۸ش، ص۶۹.</ref> | يرى بعض الباحثين أن هذه الخطبة قدّمت نموذجاً للمنابر الحسينية، حيث يمكن للخطباء أن يستلهموا منها منهجاً يجعل كلامهم أكثرَ عمقاً وتأثيراً في قلوب الناس. <ref> المدرسي، السيد محمد تقي، حياة سيد الساجدين علي بن الحسين (ع)، طهران، انتشارات محبان الحسين(ع)، ۱۳۸۸ش، ص۶۹.</ref> | ||
سطر ٢٠: | سطر ٢١: | ||
==ظروف إلقاء الخطبة== | ==ظروف إلقاء الخطبة== | ||
وفقاً للمصادر التاريخية، أُلقيت خطبة الإمام السجاد ( | وفقاً للمصادر التاريخية، أُلقيت خطبة [[الإمام السجاد (ع)]] في الشام بعد [[واقعة عاشوراء]]، أثناء أسر [[سبايا أهل البيت]] (ع) وإجلائهم إلى الشام،<ref>الشهيدي، السيد جعفر، حياة علي بن الحسين(ع)، طهران، ۱۳۶۷ش، ص۷۵.</ref> ووفقاً لبعض الروايات، أمر [[يزيد بن معاوية]] خطيب البلاط أن يصعد المنبر، ويستغل حالة السبايا ليمدح [[معاوية بن أبي سفيان]]، ويهجو الإمام الحسين (ع) وأهل بيته، فقام الخطيب بذلك، وأسرف في سب الإمام علي والإمام الحسين (عليهما السلام). <ref>مكارم الشيرازي، ناصر، عاشوراء: الجذور الدوافع الأحداث والتداعيات، قم، مدرسه الإمام علي بن أبي طالب (ع)، ۱۳۸۴ش، ص604.</ref> | ||
عندما كان الخطيب يخطب بتلك الأقوال الباطلة ضد أهل البيت (ع)، نهض الإمام زين العابدين (ع) فجأةً وصاح به: "وَيْلَكَ أَيُّهَا الْخَاطِبُ! لَقَدِ اشْتَرَيْتَ مَرْضَاةَ الْمَخْلُوقِ بِسَخَطِ الْخَالِقِ، فَتَبَوَّأْ مَقْعَدَكَ مِنَ النَّارِ"،<ref>ابن طاووس، علي بن موسى، الملهوف على قتلى الطّفوف، تحقيق: فارس حسّون، قم، انتشارات أسوة، ۱۴۱۷هـ، ص۲۱۹.</ref> ثم التفت الإمام (ع) إلى يزيد قائلاً: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَرْقَى هَذِهِ الْأَعْوَادَ فَأَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ فِيهِ لِلَّهِ رِضًا، وَلِهَؤُلَاءِ أَجْرٌ وَثَوَابٌ؟". رفض يزيد طلب الإمام (ع) في البداية، لعلمه بأن كلام الإمام سيكشف زيف حكمه ويُفضحه، لكن الحاضرين أصرّوا على منح الإمام الفرصة، فظل يزيد يرفض حتى قال له الناس: "يا أمير المؤمنين! ائذن له ليصعد، فلعلّنا نسمع منه شيئا" فقال لهم: "إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان" فقالوا: "وما قدر ما يحسن هذا؟" فقال: "إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقاً"، وظل الناس يصرّون على يزيد حتى أذن للإمام (ع) بالصعود إلى المنبر، فبدأ الإمام بحمد الله والثناء عليه، ثم ألقى خطبته المشهورة. <ref>الخوارزمي، موفق بن أحمد، مقتل الحسين عليه السلام، تحقيق محمد السماوي، قم، انتشارات أنوار الهدى، ۱۴۲۳هـ، ج۲، ص۷۶.</ref> | عندما كان الخطيب يخطب بتلك الأقوال الباطلة ضد أهل البيت (ع)، نهض الإمام زين العابدين (ع) فجأةً وصاح به: "وَيْلَكَ أَيُّهَا الْخَاطِبُ! لَقَدِ اشْتَرَيْتَ مَرْضَاةَ الْمَخْلُوقِ بِسَخَطِ الْخَالِقِ، فَتَبَوَّأْ مَقْعَدَكَ مِنَ النَّارِ"،<ref>ابن طاووس، علي بن موسى، الملهوف على قتلى الطّفوف، تحقيق: فارس حسّون، قم، انتشارات أسوة، ۱۴۱۷هـ، ص۲۱۹.</ref> ثم التفت الإمام (ع) إلى يزيد قائلاً: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَرْقَى هَذِهِ الْأَعْوَادَ فَأَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ فِيهِ لِلَّهِ رِضًا، وَلِهَؤُلَاءِ أَجْرٌ وَثَوَابٌ؟". رفض يزيد طلب الإمام (ع) في البداية، لعلمه بأن كلام الإمام سيكشف زيف حكمه ويُفضحه، لكن الحاضرين أصرّوا على منح الإمام الفرصة، فظل يزيد يرفض حتى قال له الناس: "يا أمير المؤمنين! ائذن له ليصعد، فلعلّنا نسمع منه شيئا" فقال لهم: "إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان" فقالوا: "وما قدر ما يحسن هذا؟" فقال: "إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقاً"، وظل الناس يصرّون على يزيد حتى أذن للإمام (ع) بالصعود إلى المنبر، فبدأ الإمام بحمد الله والثناء عليه، ثم ألقى خطبته المشهورة. <ref>الخوارزمي، موفق بن أحمد، مقتل الحسين عليه السلام، تحقيق محمد السماوي، قم، انتشارات أنوار الهدى، ۱۴۲۳هـ، ج۲، ص۷۶.</ref> | ||
==المحاور الرئيسية لمضمون الخطبة== | ==المحاور الرئيسية لمضمون الخطبة== | ||
يُعتبر بيان مكانة أهل البيت هو جوهر الخطبة التي ألقاها الإمام السجاد (ع) في الشام، وذلك لكشف حجم الظلم والجور الذي مارسته سلطة الخلافة ضدهم في واقعة كربلاء، ولتحقيق هذا الهدف، بدأ الإمام (ع) بتعريف الحاضرين بالنبي محمد (ص)، ثم بالإمام علي (ع) | يُعتبر بيان مكانة أهل البيت هو جوهر الخطبة التي ألقاها الإمام السجاد (ع) في الشام، وذلك لكشف حجم الظلم والجور الذي مارسته سلطة الخلافة ضدهم في واقعة كربلاء،<ref>مكارم الشيرازي، ناصر، عاشوراء: الجذور الدوافع الأحداث والتداعيات، قم، مدرسه الإمام علي بن أبي طالب (ع)، ۱۳۸۴ش، ص611.</ref> ولتحقيق هذا الهدف، بدأ الإمام (ع) بتعريف الحاضرين بالنبي محمد (ص)، ثم بالإمام علي (ع) و<nowiki/>[[السيدة فاطمة الزهراء (ع)]]، مؤكداً أنه ابنهم ووريث فضائلهم، كما ذكر انتسابه [[الإمام الحسين (ع)|للإمام الحسين (ع)]] و<nowiki/>[[السيدة خديجة الكبرى]] (ع). <ref>المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، ۱۴۰۳هـ، ج۴۵، ص۱۳۸.</ref> | ||
بيّن الإمام السجاد (ع) في خطبته هذه أبرز ست صفات تميز بها أهل البيت ( | بيّن الإمام السجاد (ع) في خطبته هذه أبرز ست صفات تميز بها [[أهل البيت (ع)]]، وهي: العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين، كما عدّد الإمام (ع) سبع خصائص أوجبت الفضيلة لأهل البيت (ع) على سواهم، وهي: | ||
#أن منهم رسول الله ( | #أن منهم [[رسول الله (ص)]]. | ||
#أن منهم الإمام علي بن أبي طالب ( | #أن منهم الإمام [[علي بن أبي طالب (ع)]]. | ||
#أن منهم جعفر الطيار ( | #أن منهم [[جعفر الطيار (ع)]]. | ||
#أن منهم حمزة سيد الشهداء ( | #أن منهم [[حمزة سيد الشهداء (ع)]]. | ||
#أن منهم الإمام الحسن المجتبى ( | #أن منهم [[الإمام الحسن المجتبى (ع)]]. | ||
#أن منهم الإمام الحسين سيد الشهداء ( | #أن منهم [[الإمام الحسين|الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)]]. | ||
#أنهم ورثة أفضل عباد الله الصالحين. <ref>المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، ۱۴۰۳هـ، ج۴۵، ص۱۳۸.</ref> | #أنهم ورثة أفضل عباد الله الصالحين. <ref>المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، ۱۴۰۳هـ، ج۴۵، ص۱۳۸.</ref> | ||
==متن الخطبة== | ==متن الخطبة== | ||
{{ | {{تاشو| خطبة الإمام السجّاد (ع) في الشام}} | ||
قَالَ فَصَاحَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: "وَيْلَكَ أَيُّهَا الْخَاطِبُ اشْتَرَيْتَ مَرْضَاةَ الْمَخْلُوقِ بِسَخَطِ الْخَالِقِ فَتَبَّوأْ مَقْعَدَكَ مِنَ النَّارِ"، ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ | {{متن عربی| قَالَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ وَغَيْرُهُ، رُوِيَ أَنَّ يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ أَمَرَ بِمِنْبَرٍ وَخَطِيبٍ لِيُخْبِرَ النَّاسَ بِمَسَاوِي الْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ (عليهما السلام) وَمَا فَعَلَا، فَصَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَكْثَرَ الْوَقِيعَةَ فِي عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ وَأَطْنَبَ فِي تَقْرِيظِ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ لَعَنَهُمَا اللَّهُ، فَذَكَرَهُمَا بِكُلِّ جَمِيلٍ. قَالَ فَصَاحَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: "وَيْلَكَ أَيُّهَا الْخَاطِبُ اشْتَرَيْتَ مَرْضَاةَ الْمَخْلُوقِ بِسَخَطِ الْخَالِقِ فَتَبَّوأْ مَقْعَدَكَ مِنَ النَّارِ"، ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع): "يَا يَزِيدُ ائْذَنْ لِي حَتَّى أَصْعَدَ هَذِهِ الْأَعْوَادَ، فَأَتَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ لِلَّهِ فِيهِنَّ رِضاً وَ لِهَؤُلَاءِ الْجُلَسَاءِ فِيهِنَّ أَجْرٌ وَثَوَابٌ"؟ قَالَ: فَأَبَى يَزِيدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ائْذَنْ لَهُ فَلْيَصْعَدِ الْمِنْبَرَ، فَلَعَلَّنَا نَسْمَعُ مِنْهُ شَيْئاً، فَقَالَ: إِنَّهُ إِنْ صَعِدَ لَمْ يَنْزِلْ إِلَّا بِفَضِيحَتِي وَبِفَضِيحَةِ آلِ أَبِي سُفْيَانَ! فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا قَدْرُ مَا يُحْسِنُ هَذَا؟! فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ قَدْ زُقُّوا الْعِلْمَ زَقّاً، قَالَ: فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ خَطَبَ خُطْبَةً أَبْكَى مِنْهَا الْعُيُونَ وَأَوْجَلَ مِنْهَا الْقُلُوبَ، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، أُعْطِينَا سِتّاً وَفُضِّلْنَا بِسَبْعٍ، أُعْطِينَا الْعِلْمَ وَالْحِلْمَ وَالسَّمَاحَةَ وَالْفَصَاحَةَ وَالشَّجَاعَةَ وَالْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَفُضِّلْنَا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً، وَمِنَّا الصِّدِّيقُ، وَمِنَّا الطَّيَّارُ، وَمِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ، مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي أَنْبَأْتُهُ بِحَسَبِي وَنَسَبِي، أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَمِنَى، أَنَا ابْنُ زَمْزَمَ وَالصَّفَا، أَنَا ابْنُ مَنْ حَمَلَ الرُّكْنَ بِأَطْرَافِ الرِّدَا، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ ائْتَزَرَ وَارْتَدَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ انْتَعَلَ وَاحْتَفَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ طَافَ وَسَعَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ حَجَّ وَلَبَّى، أَنَا ابْنُ مَنْ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ فِي الْهَوَاءِ، أَنَا ابْنُ مَنْ أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أَنَا ابْنُ مَنْ بَلَغَ بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، أَنَا ابْنُ مَنْ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، أَنَا ابْنُ مَنْ صَلَّى بِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ، أَنَا ابْنُ مَنْ أَوْحَى إِلَيْهِ الْجَلِيلُ مَا أَوْحَى، أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى، أَنَا ابْنُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى، أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ خَرَاطِيمَ الْخَلْقِ حَتَّى قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ بِسَيْفَيْنِ، وَطَعَنَ بِرُمْحَيْنِ، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَبَايَعَ الْبَيْعَتَيْنِ، وَقَاتَلَ بِبَدْرٍ وَحُنَيْنٍ، وَلَمْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، أَنَا ابْنُ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ النَّبِيِّينَ، وَقَامِعِ الْمُلْحِدِينَ، وَيَعْسُوبِ الْمُسْلِمِينَ، وَنُورِ الْمُجَاهِدِينَ، وَزَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَتَاجِ الْبَكَّائِينَ، وَأَصْبَرِ الصَّابِرِينَ، وَأَفْضَلِ الْقَائِمِينَ مِنْ آلِ يَاسِينَ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَنَا ابْنُ الْمُؤَيَّدِ بِجَبْرَئِيلَ الْمَنْصُورِ بِمِيكَائِيلَ، أَنَا ابْنُ الْمُحَامِي عَنْ حَرَمِ الْمُسْلِمِينَ وَقَاتِلِ الْمَارِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ، وَالْمُجَاهِدِ أَعْدَاءَهُ النَّاصِبِينَ، وَأَفْخَرِ مَنْ مَشَى مِنْ قُرَيْشٍ أَجْمَعِينَ، وَأَوَّلِ مَنْ أَجَابَ وَاسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَوَّلِ السَّابِقِينَ، وَقَاصِمِ الْمُعْتَدِينَ، وَمُبِيدِ الْمُشْرِكِينَ، وَسَهْمٍ مِنْ مَرَامِي اللَّهِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلِسَانِ حِكْمَةِ الْعَابِدِينَ، وَنَاصِرِ دِينِ اللَّهِ، وَوَلِيِّ أَمْرِ اللَّهِ، وَبُسْتَانِ حِكْمَةِ اللَّهِ، وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ، سَمِحٌ سَخِيٌّ بَهِيٌّ بُهْلُولٌ زَكِيٌّ أَبْطَحِيٌّ، رَضِيٌّ مِقْدَامٌ هُمَامٌ صَابِرٌ صَوَّامٌ، مُهَذَّبٌ قَوَّامٌ، قَاطِعُ الْأَصْلَابِ، وَمُفَرِّقُ الْأَحْزَابِ، أَرْبَطُهُمْ عِنَاناً، وَأَثْبَتُهُمْ جَنَاناً، وَأَمْضَاهُمْ عَزِيمَةً، وَأَشَدُّهُمْ شَكِيمَةً، أَسَدٌ بَاسِلٌ يَطْحَنُهُمْ فِي الْحُرُوبِ إِذَا ازْدَلَفَتِ الْأَسِنَّةُ وَقَرُبَتِ الْأَعِنَّةُ طَحْنَ الرَّحَى، وَيَذْرُوهُمْ فِيهَا ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمِ، لَيْثُ الْحِجَازِ، وَكَبْشُ الْعِرَاقِ، مَكِّيٌّ مَدَنِيٌّ، خَيْفِيٌّ عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ أُحُدِيٌّ، شَجَرِيٌّ مُهَاجِرِيٌّ، مِنَ الْعَرَبِ سَيِّدُهَا، وَمِنَ الْوَغَى لَيْثُهَا، وَارِثُ الْمَشْعَرَيْنِ، وَأَبُو السِّبْطَيْنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، ذَاكَ جَدِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا ابْنُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، أَنَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ أَنَا أَنَا حَتَّى ضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ، وَخَشِيَ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ فِتْنَةٌ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَقَطَعَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ عَلِيٌّ: لَا شَيْءَ أَكْبَرُ مِنَ اللَّهِ، فَلَمَّا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: شَهِدَ بِهَا شَعْرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي، فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، الْتَفَتَ مِنْ فَوْقِ الْمِنْبَرِ إِلَى يَزِيدَ، فَقَالَ: "مُحَمَّدٌ هَذَا جَدِّي أَمْ جَدُّكَ يَا يَزِيدُ؟ فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدُّكَ فَقَدْ كَذَبْتَ وَكَفَرْتَ، وَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدِّي فَلِمَ قَتَلْتَ عِتْرَتَهُ؟! قَالَ: وَفَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَتَقَدَّمَ يَزِيدُ فَصَلَّى صَلَاةَ الظُّهْرِ.<ref>المجلسي، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان، 1414 هـ، ج 45، ص 137.</ref>}} | ||
قَالَ: فَأَبَى يَزِيدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. | |||
فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ائْذَنْ لَهُ فَلْيَصْعَدِ الْمِنْبَرَ، فَلَعَلَّنَا نَسْمَعُ مِنْهُ | |||
فَقَالَ: إِنَّهُ إِنْ صَعِدَ لَمْ يَنْزِلْ إِلَّا بِفَضِيحَتِي وَبِفَضِيحَةِ آلِ أَبِي سُفْيَانَ! | |||
فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا قَدْرُ مَا يُحْسِنُ هَذَا؟! | |||
فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ قَدْ زُقُّوا الْعِلْمَ | |||
قَالَ: فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ خَطَبَ خُطْبَةً أَبْكَى مِنْهَا الْعُيُونَ وَأَوْجَلَ مِنْهَا | |||
ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، أُعْطِينَا سِتّاً وَفُضِّلْنَا بِسَبْعٍ، أُعْطِينَا الْعِلْمَ وَالْحِلْمَ وَالسَّمَاحَةَ وَالْفَصَاحَةَ وَالشَّجَاعَةَ وَالْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَفُضِّلْنَا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً، وَمِنَّا الصِّدِّيقُ، وَمِنَّا الطَّيَّارُ، وَمِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ، مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي أَنْبَأْتُهُ بِحَسَبِي | |||
أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَمِنَى، أَنَا ابْنُ زَمْزَمَ وَالصَّفَا، أَنَا ابْنُ مَنْ حَمَلَ الرُّكْنَ بِأَطْرَافِ | |||
أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ ائْتَزَرَ وَارْتَدَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ انْتَعَلَ وَاحْتَفَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ طَافَ | |||
أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ حَجَّ وَلَبَّى، أَنَا ابْنُ مَنْ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ فِي | |||
أَنَا ابْنُ مَنْ أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أَنَا ابْنُ مَنْ بَلَغَ بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى سِدْرَةِ | |||
أَنَا ابْنُ مَنْ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، أَنَا ابْنُ مَنْ صَلَّى بِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ، أَنَا ابْنُ مَنْ أَوْحَى إِلَيْهِ الْجَلِيلُ مَا | |||
أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى، أَنَا ابْنُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى، أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ خَرَاطِيمَ الْخَلْقِ حَتَّى قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا | |||
أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ بِسَيْفَيْنِ، وَطَعَنَ بِرُمْحَيْنِ، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَبَايَعَ الْبَيْعَتَيْنِ، وَقَاتَلَ بِبَدْرٍ وَحُنَيْنٍ، وَلَمْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، أَنَا ابْنُ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ النَّبِيِّينَ، وَقَامِعِ الْمُلْحِدِينَ، وَيَعْسُوبِ الْمُسْلِمِينَ، وَنُورِ الْمُجَاهِدِينَ، وَزَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَتَاجِ الْبَكَّائِينَ، وَأَصْبَرِ الصَّابِرِينَ، وَأَفْضَلِ الْقَائِمِينَ مِنْ آلِ يَاسِينَ رَسُولِ رَبِّ | |||
أَنَا ابْنُ الْمُؤَيَّدِ بِجَبْرَئِيلَ الْمَنْصُورِ بِمِيكَائِيلَ، أَنَا ابْنُ الْمُحَامِي عَنْ حَرَمِ الْمُسْلِمِينَ وَقَاتِلِ الْمَارِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ، وَالْمُجَاهِدِ أَعْدَاءَهُ النَّاصِبِينَ، وَأَفْخَرِ مَنْ مَشَى مِنْ قُرَيْشٍ أَجْمَعِينَ، وَأَوَّلِ مَنْ أَجَابَ وَاسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَوَّلِ السَّابِقِينَ، وَقَاصِمِ الْمُعْتَدِينَ، وَمُبِيدِ الْمُشْرِكِينَ، وَسَهْمٍ مِنْ مَرَامِي اللَّهِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلِسَانِ حِكْمَةِ الْعَابِدِينَ، وَنَاصِرِ دِينِ اللَّهِ، وَوَلِيِّ أَمْرِ اللَّهِ، وَبُسْتَانِ حِكْمَةِ اللَّهِ، وَعَيْبَةِ | |||
سَمِحٌ سَخِيٌّ بَهِيٌّ بُهْلُولٌ زَكِيٌّ أَبْطَحِيٌّ، رَضِيٌّ مِقْدَامٌ هُمَامٌ صَابِرٌ صَوَّامٌ، مُهَذَّبٌ قَوَّامٌ، قَاطِعُ الْأَصْلَابِ، وَمُفَرِّقُ الْأَحْزَابِ، أَرْبَطُهُمْ عِنَاناً، وَأَثْبَتُهُمْ جَنَاناً، وَأَمْضَاهُمْ عَزِيمَةً، وَأَشَدُّهُمْ شَكِيمَةً، أَسَدٌ بَاسِلٌ يَطْحَنُهُمْ فِي الْحُرُوبِ إِذَا ازْدَلَفَتِ الْأَسِنَّةُ وَقَرُبَتِ الْأَعِنَّةُ طَحْنَ الرَّحَى، وَيَذْرُوهُمْ فِيهَا ذَرْوَ الرِّيحِ | |||
لَيْثُ الْحِجَازِ، وَكَبْشُ الْعِرَاقِ، مَكِّيٌّ مَدَنِيٌّ، خَيْفِيٌّ عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ أُحُدِيٌّ، شَجَرِيٌّ مُهَاجِرِيٌّ، مِنَ الْعَرَبِ سَيِّدُهَا، وَمِنَ الْوَغَى لَيْثُهَا، وَارِثُ الْمَشْعَرَيْنِ، وَأَبُو السِّبْطَيْنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، ذَاكَ جَدِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي | |||
ثُمَّ قَالَ: أَنَا ابْنُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، أَنَا ابْنُ سَيِّدَةِ | |||
فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ أَنَا أَنَا حَتَّى ضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ، وَخَشِيَ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ فِتْنَةٌ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَقَطَعَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ | |||
قَالَ عَلِيٌّ: لَا شَيْءَ أَكْبَرُ مِنَ | |||
فَلَمَّا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا | |||
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: شَهِدَ بِهَا شَعْرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ | |||
فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ | |||
الْتَفَتَ مِنْ فَوْقِ الْمِنْبَرِ إِلَى يَزِيدَ، فَقَالَ: "مُحَمَّدٌ هَذَا جَدِّي أَمْ جَدُّكَ يَا يَزِيدُ؟ فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدُّكَ فَقَدْ كَذَبْتَ وَكَفَرْتَ، وَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدِّي فَلِمَ قَتَلْتَ عِتْرَتَهُ؟! | |||
قَالَ: وَفَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَتَقَدَّمَ يَزِيدُ فَصَلَّى صَلَاةَ الظُّهْرِ.<ref>المجلسي، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان، 1414 هـ، ج 45، ص 137.</ref>}} | |||
== المصادر == | == المصادر == |
المراجعة الحالية بتاريخ ٠٤:٠١، ٨ أبريل ٢٠٢٥
ورد فی المصادر أنّ الإمام السجاد (ع) خطب في مجلس يزيد؛ فما الذي قاله الإمام في هذه الخطبة؟
خطبة الإمام السجّاد (ع) في الشام من أشهر الخُطب التي ألقاها بعد واقعة عاشوراء، والتي بواسطتها تمكّن الإمام (ع) من زعزعة شرعية الحكم الأموي وإبطال دعاياته التي استمرت أربعين عاماً ضد الإمام علي (ع) وأهل بيته (ع).
يُعتبر المحور الرئيسي لمضمون هذه الخطبة هو بيان مكانة أهل البيت (ع)، وذلك توضيحاً لمدى الظلم والجور الذي أصابهم من السلطة الحاكمة جرّاء تعاملها معهم خلال واقعة كربلاء. كما تُظهر خطبة الإمام السجاد (ع) في الشام شجاعة الإمام، وفصاحته، ودوره في إضاءة طريق الحق من خلال إحياء رسالة نهضة عاشوراء، وقد ورد أن هذه الخطبة كان لها تأثير تنويري فوري؛ حيث قامت اعتراضات الناس على أفعال يزيد بن معاوية، وامتلأ مجلس الخطبة بالبكاء والعويل.
بحسب المصادر التاريخية، أُلقيت هذه الخطبة بعد واقعة عاشوراء، أثناء أسر سبايا آل البيت (ع) وإجلائهم إلى الشام. ووفقاً لبعض الروايات، أمر يزيد خطيب البلاط أن يصعد المنبر ويمدح معاوية بن أبي سفيان، ويقدح في الإمام الحسين (ع) وأهل بيته، ففعل الخطيب ذلك، فتصدّى له الإمام السجاد (ع) وطلب الإذن بإلقاء كلمة، ورُفض طلبه في البداية، لكن بعد إصرار الحاضرين، وافق يزيد على أن يخطب الإمام (ع).
الأهمية
تُعتبر خطبة الإمام السجاد (ع) في الشام من أشهر خطبه وأكثرها فرادةً وقوّةً وبلاغةً، بل ووُصفت بأنها كلامٌ فوق العادة وكلامٌ مُزلزل، فقد استطاعت هذه الخطبة أن تُهزّ شرعيةَ حكم بني أمية، وتُبطلَ حملاتهم الدعائية التي استمرت أربعين عاماً ضد الإمام علي وأهل بيته (ع)، [١]
كما جسّدت هذه الخطبة شجاعةَ الإمام السجاد (ع) وفصاحته، ومكانته الرائدة في كشف الحق وإحياء رسالة نهضة عاشوراء، وقد كان لخطبته تأثيرٌ تنويري فوري، حيث انتفض الحاضرون ضد أفعال يزيد، وامتلأ المجلس بالبكاء والنحيب، بل إن بعض الحضور غادروا المكان رافضين الاعتراف بشرعية يزيد كخليفة للمسلمين.[٢]
يرى بعض الباحثين أن هذه الخطبة قدّمت نموذجاً للمنابر الحسينية، حيث يمكن للخطباء أن يستلهموا منها منهجاً يجعل كلامهم أكثرَ عمقاً وتأثيراً في قلوب الناس. [٣]
ظروف إلقاء الخطبة
وفقاً للمصادر التاريخية، أُلقيت خطبة الإمام السجاد (ع) في الشام بعد واقعة عاشوراء، أثناء أسر سبايا أهل البيت (ع) وإجلائهم إلى الشام،[٤] ووفقاً لبعض الروايات، أمر يزيد بن معاوية خطيب البلاط أن يصعد المنبر، ويستغل حالة السبايا ليمدح معاوية بن أبي سفيان، ويهجو الإمام الحسين (ع) وأهل بيته، فقام الخطيب بذلك، وأسرف في سب الإمام علي والإمام الحسين (عليهما السلام). [٥]
عندما كان الخطيب يخطب بتلك الأقوال الباطلة ضد أهل البيت (ع)، نهض الإمام زين العابدين (ع) فجأةً وصاح به: "وَيْلَكَ أَيُّهَا الْخَاطِبُ! لَقَدِ اشْتَرَيْتَ مَرْضَاةَ الْمَخْلُوقِ بِسَخَطِ الْخَالِقِ، فَتَبَوَّأْ مَقْعَدَكَ مِنَ النَّارِ"،[٦] ثم التفت الإمام (ع) إلى يزيد قائلاً: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَرْقَى هَذِهِ الْأَعْوَادَ فَأَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ فِيهِ لِلَّهِ رِضًا، وَلِهَؤُلَاءِ أَجْرٌ وَثَوَابٌ؟". رفض يزيد طلب الإمام (ع) في البداية، لعلمه بأن كلام الإمام سيكشف زيف حكمه ويُفضحه، لكن الحاضرين أصرّوا على منح الإمام الفرصة، فظل يزيد يرفض حتى قال له الناس: "يا أمير المؤمنين! ائذن له ليصعد، فلعلّنا نسمع منه شيئا" فقال لهم: "إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان" فقالوا: "وما قدر ما يحسن هذا؟" فقال: "إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقاً"، وظل الناس يصرّون على يزيد حتى أذن للإمام (ع) بالصعود إلى المنبر، فبدأ الإمام بحمد الله والثناء عليه، ثم ألقى خطبته المشهورة. [٧]
المحاور الرئيسية لمضمون الخطبة
يُعتبر بيان مكانة أهل البيت هو جوهر الخطبة التي ألقاها الإمام السجاد (ع) في الشام، وذلك لكشف حجم الظلم والجور الذي مارسته سلطة الخلافة ضدهم في واقعة كربلاء،[٨] ولتحقيق هذا الهدف، بدأ الإمام (ع) بتعريف الحاضرين بالنبي محمد (ص)، ثم بالإمام علي (ع) والسيدة فاطمة الزهراء (ع)، مؤكداً أنه ابنهم ووريث فضائلهم، كما ذكر انتسابه للإمام الحسين (ع) والسيدة خديجة الكبرى (ع). [٩]
بيّن الإمام السجاد (ع) في خطبته هذه أبرز ست صفات تميز بها أهل البيت (ع)، وهي: العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين، كما عدّد الإمام (ع) سبع خصائص أوجبت الفضيلة لأهل البيت (ع) على سواهم، وهي:
- أن منهم رسول الله (ص).
- أن منهم الإمام علي بن أبي طالب (ع).
- أن منهم جعفر الطيار (ع).
- أن منهم حمزة سيد الشهداء (ع).
- أن منهم الإمام الحسن المجتبى (ع).
- أن منهم الإمام الحسين سيد الشهداء (ع).
- أنهم ورثة أفضل عباد الله الصالحين. [١٠]
متن الخطبة
خطبة الإمام السجّاد (ع) في الشام |
---|
«قَالَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ وَغَيْرُهُ، رُوِيَ أَنَّ يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ أَمَرَ بِمِنْبَرٍ وَخَطِيبٍ لِيُخْبِرَ النَّاسَ بِمَسَاوِي الْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ (عليهما السلام) وَمَا فَعَلَا، فَصَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَكْثَرَ الْوَقِيعَةَ فِي عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ وَأَطْنَبَ فِي تَقْرِيظِ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ لَعَنَهُمَا اللَّهُ، فَذَكَرَهُمَا بِكُلِّ جَمِيلٍ. قَالَ فَصَاحَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: "وَيْلَكَ أَيُّهَا الْخَاطِبُ اشْتَرَيْتَ مَرْضَاةَ الْمَخْلُوقِ بِسَخَطِ الْخَالِقِ فَتَبَّوأْ مَقْعَدَكَ مِنَ النَّارِ"، ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع): "يَا يَزِيدُ ائْذَنْ لِي حَتَّى أَصْعَدَ هَذِهِ الْأَعْوَادَ، فَأَتَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ لِلَّهِ فِيهِنَّ رِضاً وَ لِهَؤُلَاءِ الْجُلَسَاءِ فِيهِنَّ أَجْرٌ وَثَوَابٌ"؟ قَالَ: فَأَبَى يَزِيدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ائْذَنْ لَهُ فَلْيَصْعَدِ الْمِنْبَرَ، فَلَعَلَّنَا نَسْمَعُ مِنْهُ شَيْئاً، فَقَالَ: إِنَّهُ إِنْ صَعِدَ لَمْ يَنْزِلْ إِلَّا بِفَضِيحَتِي وَبِفَضِيحَةِ آلِ أَبِي سُفْيَانَ! فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا قَدْرُ مَا يُحْسِنُ هَذَا؟! فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ قَدْ زُقُّوا الْعِلْمَ زَقّاً، قَالَ: فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ خَطَبَ خُطْبَةً أَبْكَى مِنْهَا الْعُيُونَ وَأَوْجَلَ مِنْهَا الْقُلُوبَ، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، أُعْطِينَا سِتّاً وَفُضِّلْنَا بِسَبْعٍ، أُعْطِينَا الْعِلْمَ وَالْحِلْمَ وَالسَّمَاحَةَ وَالْفَصَاحَةَ وَالشَّجَاعَةَ وَالْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَفُضِّلْنَا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً، وَمِنَّا الصِّدِّيقُ، وَمِنَّا الطَّيَّارُ، وَمِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ، مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي أَنْبَأْتُهُ بِحَسَبِي وَنَسَبِي، أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَمِنَى، أَنَا ابْنُ زَمْزَمَ وَالصَّفَا، أَنَا ابْنُ مَنْ حَمَلَ الرُّكْنَ بِأَطْرَافِ الرِّدَا، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ ائْتَزَرَ وَارْتَدَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ انْتَعَلَ وَاحْتَفَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ طَافَ وَسَعَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ حَجَّ وَلَبَّى، أَنَا ابْنُ مَنْ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ فِي الْهَوَاءِ، أَنَا ابْنُ مَنْ أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أَنَا ابْنُ مَنْ بَلَغَ بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، أَنَا ابْنُ مَنْ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، أَنَا ابْنُ مَنْ صَلَّى بِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ، أَنَا ابْنُ مَنْ أَوْحَى إِلَيْهِ الْجَلِيلُ مَا أَوْحَى، أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى، أَنَا ابْنُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى، أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ خَرَاطِيمَ الْخَلْقِ حَتَّى قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ بِسَيْفَيْنِ، وَطَعَنَ بِرُمْحَيْنِ، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَبَايَعَ الْبَيْعَتَيْنِ، وَقَاتَلَ بِبَدْرٍ وَحُنَيْنٍ، وَلَمْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، أَنَا ابْنُ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ النَّبِيِّينَ، وَقَامِعِ الْمُلْحِدِينَ، وَيَعْسُوبِ الْمُسْلِمِينَ، وَنُورِ الْمُجَاهِدِينَ، وَزَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَتَاجِ الْبَكَّائِينَ، وَأَصْبَرِ الصَّابِرِينَ، وَأَفْضَلِ الْقَائِمِينَ مِنْ آلِ يَاسِينَ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَنَا ابْنُ الْمُؤَيَّدِ بِجَبْرَئِيلَ الْمَنْصُورِ بِمِيكَائِيلَ، أَنَا ابْنُ الْمُحَامِي عَنْ حَرَمِ الْمُسْلِمِينَ وَقَاتِلِ الْمَارِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ، وَالْمُجَاهِدِ أَعْدَاءَهُ النَّاصِبِينَ، وَأَفْخَرِ مَنْ مَشَى مِنْ قُرَيْشٍ أَجْمَعِينَ، وَأَوَّلِ مَنْ أَجَابَ وَاسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَوَّلِ السَّابِقِينَ، وَقَاصِمِ الْمُعْتَدِينَ، وَمُبِيدِ الْمُشْرِكِينَ، وَسَهْمٍ مِنْ مَرَامِي اللَّهِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلِسَانِ حِكْمَةِ الْعَابِدِينَ، وَنَاصِرِ دِينِ اللَّهِ، وَوَلِيِّ أَمْرِ اللَّهِ، وَبُسْتَانِ حِكْمَةِ اللَّهِ، وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ، سَمِحٌ سَخِيٌّ بَهِيٌّ بُهْلُولٌ زَكِيٌّ أَبْطَحِيٌّ، رَضِيٌّ مِقْدَامٌ هُمَامٌ صَابِرٌ صَوَّامٌ، مُهَذَّبٌ قَوَّامٌ، قَاطِعُ الْأَصْلَابِ، وَمُفَرِّقُ الْأَحْزَابِ، أَرْبَطُهُمْ عِنَاناً، وَأَثْبَتُهُمْ جَنَاناً، وَأَمْضَاهُمْ عَزِيمَةً، وَأَشَدُّهُمْ شَكِيمَةً، أَسَدٌ بَاسِلٌ يَطْحَنُهُمْ فِي الْحُرُوبِ إِذَا ازْدَلَفَتِ الْأَسِنَّةُ وَقَرُبَتِ الْأَعِنَّةُ طَحْنَ الرَّحَى، وَيَذْرُوهُمْ فِيهَا ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمِ، لَيْثُ الْحِجَازِ، وَكَبْشُ الْعِرَاقِ، مَكِّيٌّ مَدَنِيٌّ، خَيْفِيٌّ عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ أُحُدِيٌّ، شَجَرِيٌّ مُهَاجِرِيٌّ، مِنَ الْعَرَبِ سَيِّدُهَا، وَمِنَ الْوَغَى لَيْثُهَا، وَارِثُ الْمَشْعَرَيْنِ، وَأَبُو السِّبْطَيْنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، ذَاكَ جَدِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا ابْنُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، أَنَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ أَنَا أَنَا حَتَّى ضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ، وَخَشِيَ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ فِتْنَةٌ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَقَطَعَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ عَلِيٌّ: لَا شَيْءَ أَكْبَرُ مِنَ اللَّهِ، فَلَمَّا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: شَهِدَ بِهَا شَعْرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي، فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، الْتَفَتَ مِنْ فَوْقِ الْمِنْبَرِ إِلَى يَزِيدَ، فَقَالَ: "مُحَمَّدٌ هَذَا جَدِّي أَمْ جَدُّكَ يَا يَزِيدُ؟ فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدُّكَ فَقَدْ كَذَبْتَ وَكَفَرْتَ، وَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدِّي فَلِمَ قَتَلْتَ عِتْرَتَهُ؟! قَالَ: وَفَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَتَقَدَّمَ يَزِيدُ فَصَلَّى صَلَاةَ الظُّهْرِ.[١١]» المصادر
|