عرض مصدر الشكر على النعمة وجحود النعمة

{{شروع متن}}
{{سوال}}
ما المقصود بالشكر على النعمة وجحود النعمة؟
{{پایان سوال}}
في [[القرآن الكريم]] والحديث الشريف، يُعد الشكر على النعمة أمرًا ذا أهمية كبيرة، وهو يشمل الشكر القلبي، واللفظي، والعملي. الشكر القلبي يعني الاعتراف بأن جميع النعم هي من [[الله تعالى]]، أما الشكر اللفظي فيتمثل في تمجيد الله عز وجل، مثل قول "[[الحمد لله]]"، بينما الشكر العملي يتمثل في استخدام النعم في سبيل الله تعالى وفي خدمة الناس.

وفقًا لآراء المفسرين، يُعتبر الشكر الحقيقي سببًا لزيادة النعم الإلهية ونمو الروحانية لدى الأفراد، وقد أوصى الله تعالى به كوسيلة لتربية عباده وكمالهم.
أما جحود النعمة فيعني عدم الاعتراف بها أو استخدامها بشكل غير صحيح، وله عواقب سلبية. وقد تحدث القرآن الكريم في سورتي [[سوره النحل|النحل]] و[[سوره سبأ|سبأ]] عن نتائج جحود النعمة، مُحذرًا من زوال النعم عن أولئك الذين يكفرون بها. كما تذكر الأحاديث الشريفة أن جحود النعمة يؤدي إلى فقدان البركة وعدم استقرار النعم، ويُعتبر أحد أنواع الكفر. وقد ندد الأئمة المعصومون بجحود النعمة، وأكدوا على أهمية الحفاظ على النعم من خلال الشكر.

== الشكر على النعمة ==
=== الشكر على النعمة في القرآن ===
وردت العديد من الآيات في القرآن الكريم التي تتحدث عن الشكر لله تعالى، فقد أصر الله سبحانه وتعالى على شكر عباده لنعمته، مشيرًا إلى أن الفوائد الناتجة عن الشكر تعود على نفس العبد.<ref>محسني، شيخ محمد آصف، قوانين زندگاني إنسان در قرآن، كابل، حوزة علمية خاتم النبيين (ص)، 1392 ش، ص 94 و 95.</ref> وقد ذكر المفسرون أن الشكر على النعمة له عدة مراحل<ref>قرائتي، تفسير نور، 1388 ش، ج 4، ص 389.</ref>:
# الشكر القلبي: وهو أن يدرك الإنسان أن جميع النعم هي من  عند الله تعالى.
# الشكر اللفظي: مثل قول "الحمد لله".
# الشكر العملي: ويتجسد في أداء العبادات، واستثمار الوقت والمال في سبيل رضا الله وخدمة الناس.

عندما يستخدِم الإنسان النعم التي أنعم الله بها عليه لتحقيق الأهداف الحقيقية التي خُصصت لها النعمة، فقد أثبت بذلك استحقاقه لزيادة النعم والفضل من الله.<ref>مكارم شيرازي، تفسير نمونه، 1371 ش، ج 10، ص 279.</ref> وقد قيل إنه مع الشكر لا تزداد نعم الله فحسب، بل يتطور العبد أيضًا ويشهد نموًا روحيًا.<ref>قرائتي، تفسير نور، 1388 ش، ج 4، ص 390.</ref>

إن [[الله سبحانه وتعالى]] لا يحتاج إلى شكر عباده مقابل النعم التي يمنحهم إياها، ولكن أمره بالشكر يعود إلى أنه سبب لنعمة أخرى على عباده ولتأسيس مدرسة تربوية عظيمة.<ref>مكارم شيرازي، تفسير نمونه، 1371 ش، ج 10، ص 278.</ref> ويُعتبر الشكر بالقول والعمل تجاه المنعم إحساسًا عقلائيًا، حيث يُحب العبد المنعم في قلبه ويُحترمه في سلوكه.<ref>محسني، شيخ محمد آصف، قوانين زندگاني إنسان در قرآن، كابل، حوزة علمية خاتم النبيين (ص)، 1392 ش، ص 94.</ref> وقد ورد في الأحاديث الشريفة أن من لا يشكر الناس، فإنه لا يشكر الله أيضًا.<ref>قرائتي، تفسير نور، 1388 ش، ج 4، ص 389.</ref>

=== الشكر على النعمة في الروايات ===
وردت العديد من الروايات التي تتحدث عن الشكر على النعمة، ومن أبرزها:
* قال [[الإمام علي (عليه السلام)]]: "عندما تصل إليك مقدمات نعم الله، حاول أن تجذب باقي النعم إليك بالشكر، لا أن تبتعد بها عنك بسبب قلة الشكر".<ref>مكارم شيرازي، تفسير نمونه، 1371 ش، ج 10، ص 282.</ref>
* قال الإمام الصادق (عليه السلام): "شكر النعمة هو الابتعاد عن المعصية".<ref>قرائتي، تفسير نور، 1388 ش، ج 4، ص 389.</ref>
* قال الإمام الصادق (عليه السلام): "الشكر هو أن يعرف الإنسان أن النعمة من الله تعالى (لا من ذكائه أو علمه أو جهده أو جهود الآخرين) وأن يكون راضيًا بما أعطاه الله، وأن لا يستخدم نعم الله في المعصية. الشكر الحقيقي هو أن يوظف الإنسان نعم الله في سبيل الله".<ref>قرائتي، تفسير نور، 1388 ش، ج 4، ص 389.</ref>
* قال الإمام الصادق (عليه السلام): "عندما يهب الله عبده نعمة، فإن العبد يعرفها في قلبه، ويشكر الله بلسانه، وعندها يكون قوله قد اكتمل حتى يأمر الله بزيادة النعمة".<ref>قرشي بنابي، علي‌أكبر، تفسير أحسن الحديث، طهران، بنياد بعثت، 1375 ش، ج 5، ص 279.</ref>
* قال [[الإمام الصادق (عليه السلام)]]: "من يعترف في قلبه بنعمة الله، فهو مستحق لزيادة نعمة الله عليه قبل أن يعبّر عن شكره بلسانه".<ref>قرشي بنابي، تفسير أحسن الحديث، 1375 ش، ج 5، ص 279.</ref>

== جحود النعمة ==
جحود النعمة، الذي يعني عدم الامتنان ورفض نعَم الله تعالى، يُعتبر من الكبائر ويعد نقيضًا للشكر على النعمة، إذ أن الشكر هو التعبير عن الامتنان والتقدير للنعم.<ref>راغب أصفهاني، حسين بن محمد (1412)، مفردات ألفاظ القرآن (بالعربية)، سوريا: دار العلم - الدار الشامية، ص ذيل كلمة "شكر".</ref> يظهر جحود النعمة من خلال تصرفات غير ممتنة مثل الاستخدام غير المناسب للنعم، وعدم الاهتمام بفضل الآخرين، وإخفاء قيمة النعمة.<ref>دهخدا، علي‌أكبر (1377)، لغت‌نامه دهخدا (بالعربية)، طهران: جامعة طهران، ص ذيل كلمة "كفران".</ref> كلمة "جحود" تُستخدم عادة للإشارة إلى الإنكار أو تجاهل النعمة.<ref>راغب أصفهاني، حسين بن محمد (1412)، مفردات ألفاظ القرآن (بالعربية)، سوريا: دار العلم - الدار الشامية، ص ذيل كلمة "شكر".</ref> 

وقد فُسر جحود النعمة بأنه استغلال غير مشروع للنعم الجسدية، والقوى الروحية، والعلم، والمال، والمكانة الاجتماعية، وغيرها من النعم. على سبيل المثال، يتم استخدام القوة الجسدية في سبيل الفحشاء والظلم ضد المظلومين، أو يتم إنفاق المال في القمار والفساد بدلاً من دفع الواجبات المالية ومساعدة المحتاجين.<ref>محسني، شيخ محمد آصف، قوانين زندگاني إنسان در قرآن، كابل، حوزة علمية خاتم النبيين (ص)، 1392 ش، ص 95.</ref>

=== جحود النعمة في القرآن ===
في آيات [[القرآن الكريم]]، يُستنكَر جحود النعمة ويُقابَل بالشكر.<ref>مجلسي، محمد باقر (1403)، بحار الأنوار، ج 69، بيروت: دار إحياء التراث العربي، ص 339.</ref> وقد ذكر المفسرون أن استهلاك نعمة الله في غير الطريق الحق يُعتبر جحودًا للنعمة، ويمهد الطريق للكفر.<ref>قرائتي، تفسير نور، 1388 ش، ج 4، ص 390.</ref> وأوضحوا أن جزاء جحود النعمة لا يقتصر على سلب النعمة فحسب، بل قد تظل النعمة موجودة ولكن تُتحول إلى نقمة واستدراج، مما يؤدي إلى سقوط الشخص تدريجيًا.<ref>قرائتي، تفسير نور، 1388 ش، ج 4، ص 390.</ref>

يمكن أن يؤدي جحود النعمة إلى زوالها وتحولها إلى نقمة. في القرآن، في [[الآية 112 من سورة النحل]]، يذكر الله تعالى الجوع والخوف كعاقبة للناس الذين يجحدون النعمة. كما في الآيات من 15 إلى 17 من [[سورة سبأ]]، يذكر القرآن أن نتيجة جحود نعمة قوم سبأ كانت فقدانهم للأراضي المزدهرة ووقوعهم في الشدة والنقمة.<ref>مكارم شيرازي، ناصر (1371)، تفسير نمونه، ج 18، طهران: دار الكتب الإسلامية، ص 58–60.</ref>

=== جحود النعمة في الروايات ===
كما وردت العديد من الأحاديث في المجامع الروائية التي تدين هذا الفعل وتعتبره أحد أنواع الكفر في القرآن<ref>كليني، محمد بن يعقوب (1407)، الكافي، ج 2، طهران: دار الكتب الإسلامية، ص 389.</ref>، كما تصفه من جنود الجهل (الشكر وضده الجحود).<ref>كليني، محمد بن يعقوب (1407)، الكافي، ج 1، طهران: دار الكتب الإسلامية، ص 21.</ref> وقد ذكر [[الإمام السجاد (عليه السلام)]] أن هذا الذنب هو سبب لتغيير النعم الإلهية، فيما يُعتبر الإمام الصادق (عليه السلام) جحود النعمة سببًا لزوال النعم وعدم استقرارها.<ref>كليني، محمد بن يعقوب (1407)، الكافي، ج 2، طهران: دار الكتب الإسلامية، ص 94.</ref><ref>صدوق، محمد بن علي (1403)، معاني الأخبار، ج 1، قم: انتشارات إسلامية، ص 270.</ref>

== آیه لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد ==
تُعتبر من أهم وأوضح الآيات في القرآن التي تتعلق بشكر النعمة أو جحودها.<ref>قرائتي، محسن، تفسير نور، طهران، مركز فرهنگي درس‌هايي از قرآن‏، 1388 ش، ج 4، ص 389.</ref> في هذه الآية، يقول الله تعالى: "إذا شكرتم (نعمتكم)، سأزيدكم، وإذا جحدتم، فإن عذابي لشدِيد".<ref>محسني، شيخ محمد آصف، قوانين زندگاني إنسان در قرآن، كابل، حوزة علمية خاتم النبيين (ص)، 1392 ش، ص 95.</ref> وفسر العلماء هذه الآية على أن الشكر القولي والقلبي والخدمة لله يُؤدي إلى زيادة النعم، أما جحود النعمة فسيؤدي إلى العذاب الشديد.<ref>محسني، شيخ محمد آصف، قوانين زندگاني إنسان در قرآن، كابل، حوزة علمية خاتم النبيين (ص)، 1392 ش، ص 95.</ref>

وقد قال المفسرون تحت هذه الآية إن زيادة نعمة الله التي وُعد بها الشاكرون لا تعني فقط زيادة النعم المادية، بل إن ذات الشكر، الذي يكون مصحوبًا بالانتباه إلى الله والعشق له، يُعد نعمة روحية عظيمة. هذا الشكر يُعتبر له تأثير بالغ في تربية النفوس ودعوة الناس إلى طاعة أوامر الله. بل إن الشكر بذاته هو وسيلة لزيادة معرفة الله، ولذلك فقد استخدم علماء العقائد في علم الكلام فرضية وجوب معرفة الله (معرفة الله) من خلال وجوب شكر المنعم (الذي يهب النعم) لإثبات ذلك.<ref>مكارم شيرازي، ناصر، تفسير نمونه، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1371 ش، ج 10، ص 282.</ref>
== المصادر ==